تستمر سلطة اﻷسد في استغلال أوضاع السوريين بما في ذلك حاجتهم إلى جواز السفر السوري والذي حولته لمصدر دخل، عبر ابتزاز المواطنين، فضلاً عن اعتقالهم.
ونشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً اليوم اﻷربعاء بعنوان “سلسلة من الانتهاكات داخل وخارج سوريا تنفذها سلطة اﻷسد عند استخراج جواز السفر”، أشارت فيه إلى اعتقال 1168 حالة في دوائر الهجرة والجوازات بينهم 16 طفلاً و96 سيدة، تحول 986 منهم إلى حالة اختفاء قسري.
وقال التقرير الذي جاء في 21 صفحة إن سلطة اﻷسد عانت مع انطلاق الحراك الشعبي في سوريا من شح في الموارد المادية، بسبب توظيف مدخرات الدولة السورية في قمع الحراك، وبدأت بالتفكير بموارد مالية جديدة، لا سيما مع الانهيار المتسارع الذي بدأ يشهده الاقتصاد، وكان جواز السفر إحدى هذه الموارد.
وبات جواز السفر “الوثيقة الأكثر أهمية بالنسبة للسوريين الذين تشردوا داخل وخارج سوريا، وكذلك بالنسبة للسوريين الذين يحلمون بمغادرتها مع التراجع المأساوي في الظروف المعيشية”، ومع كثرة الطلب على جواز السفر وجدت سلطة اﻷسد فيه “فرصة ذهبية” لرفد خزائنها بالعملة الأجنبية.
وأصبحت أسعار منح جواز السفر السوري بمثابة بورصة آخذة في الارتفاع المستمر، ويمكن ملاحظة ذلك عبر المراسيم التي أصدرتها سلطة اﻷسد، ويقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن السلطة استغلت حاجة الشعب السوري لإصدار جواز سفر على غرار بقية دول العالم، فمارست أقسى درجات النهب.
ونوّه بأن سعره بات أغلى سعر جواز سفر في العالم، إلى جانب أنماط عديدة من انتهاك الكرامة الإنسانية، “وكأنه يقدم جواز السفر من مزرعته الخاصة”.
وطالب عبد الغني “المجتمع الدولي بخلق بديل قانوني لإصدار جوازات السفر السوري في حالات النزاع المسلحة الداخلية، وعدم ترك هذا الملف الحساس بيد السلطة المسيطرة، وحرمان أعداد هائلة من المواطنين قد تصل إلى نصف الشعب من هذه الوثيقة الحيوية، أو ابتزازهم مادياً وأمنياً بشكل سادي”.
ورصد التقرير ست أنماط رئيسية من الانتهاكات التي تطال السوريين أثناء محاولتهم الحصول على جوازات السفر، أولها فرض “الموافقة الأمنية” على كل من يرغب بالحصول على جواز سفر ما بين عامي 2011 و2015، والهدف من ذلك هو حرمان المعارضين من الحصول على هذه الوثيقة.
وعلى الرغم من أن الموافقة الأمنية لم تعد مطلوبةً بعد عام 2015، إلا أن سلطة اﻷسد لم تتوقف عن استخدام جواز السفر كسلاح لملاحقة المعارضين والتضييق عليهم، إذ يخضع كل مُتقدِّم للحصول على جواز سفر إلى عملية تدقيق ومطابقة مع قوائم الملاحقين والمطلوبين، وبالتالي فإن ذلك يضع المتقدمين لطلب جواز سفر، أو أحد أفراد الأسرة الذين يقدمون طلباتهم بالنيابة عنهم، تحت خطر التعرض للاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري.
ووثق التقرير منذ آذار/ 2011 حتى شباط/ 2024، ما لا يقل عن 1912 حالة اعتقال، بينهم 21 طفلاً و256 سيدة، و193 حالة لأشخاص قاموا بإجراء تسويةً لوضعهم الأمني في وقتٍ سابق، تم اعتقالهم في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات اﻷسد وذلك أثناء وجودهم لإجراء معاملات في دوائر الهجرة والجوازات في عدة محافظات سورية؛ أفرجت سلطة اﻷسد عن 723 حالة منهم، وقضى 21 منهم بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، وبقي 1168 حالة اعتقال بينهم 16 طفلاً و96 سيدة، تحول 986 منهم إلى حالة اختفاء قسري.
ووثق التقرير حالات انتُهكت فيها كرامة المواطنين أثناء استخراج أو تجديد جواز السفر السوري، ففي فروع إدارة الهجرة والجوازات غالباً ما يتعرض المواطنون لسوء المعاملة من الموظفين ويضطرون إلى الوقوف في طوابير لساعات طويلة دون الحصول على دور في نهاية المطاف، ويتم اعتماد هذه الاستراتيجية في الغالب كي يضطر المواطنين لدفع رشاوٍ لبعض الموظفين أو السماسرة المرتبطين بالأجهزة الأمنية كي يتم تيسير معاملاتهم بشكل أسرع.
أما فيما يتعلق بالمعاملة في القنصليات والسفارات؛ ذكر التقرير وجود اختلافات واضحة، ففي حين تتعامل قنصلية سلطة اﻷسد في جنيف في سويسرا بشكل اعتيادي في إجراء المعاملات، يُعاني السوريون نمطاً مقصوداً من الإذلال والابتزاز في قنصلية مدينة إسطنبول في تركيا التي تضم العدد الأكبر من اللاجئين السوريين.
ووفقاً للتقرير فإن المواطن السوري لا يتمكن في العديد من البلدان من حجز دور في القنصلية بنفسه عن طريق المنصة الإلكترونية، وذلك بسبب عدم وجود مواعيد متاحة على المدى القريب، حيث يكون أقرب موعد متاح على المنصة بعد عام أو عامين من تاريخ التقديم، وبالتالي لا يبقى خيار أمام هؤلاء سوى التعامل مع الوسطاء والسماسرة، الذين ينسقون بدورهم مع موظفي القنصليات.
وذكر التقرير أن هناك تحديات وكلفة إضافية تواجه المطلوبين أمنياً خارج سوريا، حيث يضطرون لدفع مبالغ إضافية للسماسرة إذا أرادوا تجديد جوازات سفرهم عن طريق ذويهم في مناطق سيطرة سلطة اﻷسد، وذلك لضمان عدم تعرض ذويهم للاعتقال أو المضايقات.
وأضاف أنه نتيجة الانتشار الواسع لظاهرة الرشاوي والسمسرة للحصول على جواز السفر السوري، انتشرت أيضاً ظاهرة النصب والاحتيال في هذا المجال، فقد ظهر العديد من المحتالين الذين ادعوا وجود علاقات لديهم مع ضباط في الهجرة والجوازات أو موظفين في القنصليات لاستغلال حاجة السوريين لاستخراج جوازات السفر.
وتسببت المدة الزمنية الطويلة جداً وغير الاعتيادية لاستخراج جواز السفر مقارنةً مع جميع دول العالم، في تعقيد الأوضاع القانونية للسوريين خارج البلاد، إذ يرتبط وجود جواز سفر ساري المفعول، مع تجديد إقامات السوريين وتصريحات العمل الخاصة بهم في العديد مِن دول العالم.