بعد نحو أسبوعين سيتعين على كافة سائقي السيارات في محافظة إدلب وريف حلب الغربي أن يكونو حاصلين على شهادات القيادة أو مسجلين لدى إحدى مدارس تعليم قيادة المركبات، تحت طائلة الحجز والغرامة، في تجربة هي اﻷولى من نوعها بالمنطقة الواقعة شمال غرب سوريا.
ويشكو اﻷهالي من الرسوم التي يرونها مرتفعة، مع النظر إلى انخفاض مستويات الدخل وارتفاع معدلات الفقر في الشمال السوري، حيث يتعين على المتقدم دفع ما مجموعه 50 دولاراً أمريكياً.
الرسوم الصغيرة كبيرة
يقول “حسن . م” لحلب اليوم إن مبلغ الـ50 دولاراً ليس كبيراً في الحقيقة، ولكن مع النظر إلى مستويات الدخل المتدنية والتكاليف العالية تصبح الرسوم مرتفعةً فعلاً.
اشترى حسن سيارته “اﻷوروبية” المستعملة بمبلغ زهيد لا يزيد عن 600$ فقط، حيث اضطر إلى اقتنائها بعد بيع زوجته ما تبقى من مصاغها، وذلك من أجل ولدهما الذي يحتاج إلى جلسات علاج فيزيائي أسبوعية.
يقول الشاب الثلاثيني إنه بالكاد يستطيع تغطية تكاليف معيشته اليومية، ودفع إيجار محله البسيط لبيع الملابس المستعملة (البالة) وإيجار المنزل، وكسوة اﻷولاد ومصاريف البيت، وإنه اضطر لاقتناء السيارة ﻷن لم يعد قادراً على حمل ولده باستمرار لمسافات بعيدة نحو مركز العلاج.
ويؤكد أن سيارته القديمة تلك بحاجة إصلاحات تُقدر كلفتها بنحو 150$ لكنه يتجاهلها، بسبب قلة ذات اليد، واﻵن عليه أن يدفع الـ50 دولاراً لـ”الحكومة” مقابل أن “تسمح له بمواصلة السير بخردة الحديد تلك”، كما يقول.
أثار قرار شهادات القيادة منذ صدوره نهاية العام الماضي حالة من الاستياء في المنطقة، حيث كانت الرسوم المفترضة أكثر من ذلك، وقد تم تحديدها بـ70 دولاراً أمريكياً، تضاف إليها 35$ (رسوم مدرسة سواقة)، أي أن استصدار الشهادة كان سيكلف 105$.
وقالت الحكومة المسيطرة على منطقة إدلب وريف حلب الغربي، في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، إنها تُمهل السائقين حتى تاريخ 1/4/2024 لاستصدار الشهادات، تحت طائلة الحجز والغرامة.
ومع حالة الاعتراض الشعبي الواسعة وتعبير السكان عن غضبهم من الرسوم، تم تخفيضها على مرحلتين، لتصبح “معقولة إلى حدّ ما”، وفقاً لما قاله أحد مدربي السواقة في مدرسة لتعليم القيادة بإدلب.
وقال المدرب (فضل عدم الكشف عن اسمه) إن تلك الرسوم ليست كبيرة بالنظر إلى أن جزءاً منها سيُدفع للحكومة، كما أن هناك تكاليفاً إنشائيةً كبيرة للمدارس التي تم إنشاؤها في إدلب، فضلاً عن رواتب المدربين وتكاليف تشغيل السيارات.
وأوضح أن بإمكان المُسجلين لدى المدرسة قيادة سياراتهم بمجرد حصولهم على وصل تسجيل، أي أن شرطة المرور ستغض الطرف عن المخالفة حتى بعد تاريخ 1/4/2024 في حال دفع السائق الرسوم.
يقول البعض إن تلك المدارس حالها حال معظم المشاريع “الكبيرة” في إدلب تعود إلى أشخاص مقربين من الجهات المسيطرة على المنطقة، وهو ما لم يستبعده المدرب قائلاً إن اﻷوضاع العامة توحي بذلك وإن لم يكن هناك شيء محدد في هذا الشأن.
ويّقدّر المدرب عدد السيارات بالمنطقة بما يزيد على 300 ألف، أي أن أكثر من 15 مليون دولاراً ستخرج من جيوب السكان لتصب في جيوب مدارس القيادة وخزينة الحكومة – وفقاً لتقديراته – لذا فإن اﻷمر “لا يبدو اعتباطياً” خصوصاً إذا أخذنا في عين الاعتبار موضوع الدراجات النارية، والتي سيتم فرض تسجيلها في المرحلة القادمة وأيضاً فرض شهادات القيادة على سائقيها.
لماذا رسوم إدلب أعلى من حلب؟
منذ أن فرضت الحكومة في إدلب على السائقين تسجيل سياراتهم لجأ الكثير منهم إلى تسجيلها في أعزاز وعفرين، حيث تفرض إدارات المرور التابعة للحكومة المؤقتة هناك رسوماً أقل بكثير مما في إدلب.
يقول “خالد. غ” لحلب اليوم إنه سافر من مدينة إدلب حيث يعيش إلى أعزاز لتسجيل سيارته، وذلك منذ عام 2022، حيث دفع هناك نحو 200 ليرة، فيما كان عليه أن يدفع أكثر من الضعف في إدلب.
يؤكد الرجل الخمسيني وهو سائق سيارة شحن من نوع “بورتر”، أن اﻷمر لا يقتصر على الرسوم فهي سنوية وليست ذات قيمة، لكنه استصدر شهادة قيادة هناك بنحو 300 ليرة فقط، وبإمكانه أن يسير فيها بمنطقة إدلب.
وأوضح المدرب أن بإمكان حاملي شهادة القيادة المستصدرة من منطقة سيطرة الحكومة المؤقتة استعمالها في إدلب، وذلك في حال كون السيارة مسجلةً هناك، أما في كانت مسجلة في إدلب فعلى السائق أن يستصدر منها شهادته.
وبالنسبة للرسوم فقد أوضح أنها كانت فعلاً أقل بكثير، ولكن مع صدور القرار اﻷخير تم رفع الرسوم أيضاً في ريف حلب الشمالي لتصل إلى 1500 ليرة تركية، وهو ما يعادل نحو 50$.
وفي النهاية يتساءل اﻷهالي ما هو المقابل لتلك الرسوم؟ وما هي الخدمات التي تقدمها تلك الحكومات للسكان مع تحصيلها لكل هذه المبالغ؟ مع وجود طرق بحالة سيئة وارتفاع في معدلات الحوادث وسرقة السيارات والدراجات النارية.