د. علي محمد الصلابي
دلّت العقول الصحيحة والفطر السّليمة على ما دلّ عليه القرآن والسنة؛ أنّه سبحانه حكيمٌ لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا لغير معنى ومصلحة. وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل بل أفعاله سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل. كما أنّها ناشئة عن أسباب بها فعل، وقد دلّ كلامه وكلام رسوله على هذا. وهذا في مواضع لا تكاد تحصى ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها (1).
معنى الحكيم سبحانه وتعالى
“الحكيم”: هو الّذي له الحِكمة العليا في خلقه وأمره، الّذي أحسن كلّ شيء خلقه ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [سورة المائدة: 50]، فلا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يشرع سدى، الّذي له الحكم في الأولى والآخرة، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك؛ فيحكم بين عباده في شرعه وفي قدره وجزائه، والحكمة وضع الأشياء مواضعها وتنزيلها منازلها (2).
ومعنى الإحكام لخلق الأشياء، إنما ينصرف إلى: إتقان التدبير فيها، وحسن التقدير لها .وهذا في قوله جل وعز: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ). وقال ابن الأثير: “الحكيم: ذو الحكمة. والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم” (3).
وقد لاحظت في سورة يوسف عليه السلام اقتران اسم الله العليم بالحكيم في مقام الصبر، وانتظار الفرج، ومقام التواضع، والتحدث بنعمة الله.
مقام الصبر وانتظار الفرج
إن مقام ارتباط الصبر، وانتظار الفرج باسم الله “العليم” ارتباطاً قوياً، وذلك أن العبد إذا كان عظيم الإيمان عميق الصلة بربه واستلبت عليه الفرج لم يتزعزع يقينه؛ لأنّه معتمد على علم الله عزّ وجلّ في اختيار الزمان الأنسب لما يرجوه من الفرج، معوّل على حكمته في تهيئة الأسباب له ليقع على أحسن ما يكون، كما في قول يعقوب عليه السلام: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إنّه هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 83].
مقام التواضع والتحدث بنعمة الله
مثل ذلك يُقال في مقام التواضع والتحدّث بنعمة الله وفضله؛ لأنّ قوامه أحداث ترجع إلى علم “العليم” وحكمة “الحكيم”، كما في قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إنّه هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [يوسف: 100] (4).
مراجع:
[1] شفاء العليل، ابن القيم، دار عطاءات العلم، الطبعة الثانية، 1433ه، (1/90).
2 قصّة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، علي الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020م، ص 358.
النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، المكتبة العلمية، بيروت، 1979م، 1/419.
3 قصّة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، الصلابي، ص 358.
وتجدون معلومات تفصيلية حول المقال في كتاب النبي الوزير يوسف الصديق (عليه السلام) من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي: