وجهت المحكمة الفيدرالية الألمانية، اتهامات بالانتماء إلى “منظمة إرهابية” ضد 3 سوريين قالت إنهم أعضاء سابقون في لواء التوحيد في سوريا، كانوا قد لجأوا إلى ألمانيا في وقت سابق.
وقالت المحكمة في بيان نشره مكتب المدعي العام إن لديها “ما يكفي من الاشتباه في أن المتهمين (محمد .ر، أنس .خ، يوسف .خ) كانوا أعضاء في لواء التوحيد “الذي كبّد القواعد العسكرية لقوات اﻷسد خسائر فادحة”.
ووصف المدعي العام الاتحادي لواء التوحيد بأنه “تنظيم إرهابي” رغم كونه غير مشمول بلائحة التنظيمات اﻹرهابية لدى ألمانيا، وقال إن اللواء “يسعى لإقامة دولة دينية على أساس الشريعة”، وإنه “تعاون مع “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” لتنفيذ هجمات إرهابية في المنطقة”.
واتهم المدعي “محمد .ر” بتأسيس كتيبة ضمن “لواء التوحيد” وقال إنه قادها في مختلف المهام العسكرية، كما اتهم “أنس .خ” بأنه عمل متحدثاً صحفياً ومراسلاً للواء، و ادعى أن “يوسف .خ” عمل معه في قطاع الإعلام، وبأنه “كان يرافق أنس بانتظام إلى مناطق المخيمات ويعد التقارير وكذلك الأفلام والصور الفوتوغرافية لأغراض دعائية”.
“أساس الاتهام باطل”.. سوريون ينفون صحة الادعاء
استغرب الناشط اﻹعلامي السوري عبد الكريم ليله ذلك القرار مؤكداً في حديثه لحلب اليوم، أن الشبان كانوا ناشطين على المستوى المحلي يعملون مع بعض الوكالات اﻹعلامية مثل وكالة سمارت وشام، في عمل مدني وثوري، ولم يكونوا في صفوف لواء التوحيد، قائلاً إنه “من المؤسف أن يضعهم ذلك في دائرة الاتهام” وأن يكون “كل سوري يعيش في المناطق المحررة متهماً”.
ولم يستبعد ليله وجود جهات مرتبطة بسلطة اﻷسد تقوم بتحريك الموضوع داخل ألمانيا، “فبالنسبة لهم كل من خرج ضدهم هو إرهابي”، ورآى أن “ملاحقة شباب الثورة” تأتي ضمن سياق “التطبيع الدولي مع اﻷسد”.
كما انتقد الناشط السوري مساعي بعض الجهات القانونية والحقوقية “التي تدعي الثورة” لتجريم شبان لمجرد أنهم كانوا يعيشون في المناطق المحررة، مؤكداً أن كل الخيارات واردة حول أسباب تحريك الدعوى ضد الشبان الثلاثة، بما في ذلك وجود خلافات شخصية.
ووصف الحكم بالباطل، ﻷنه “لا يجوز محاكمة لاجئ وفق القانون الجنائي ومحاسبته على شيء جرى في دولة أخرى”، متسائلا “من هو المدعي؟”، و”كيف يمكن للسلطات أن تتثبت من شيء جرى في دولة أخرى ولا تستطيع الوصول إليه؟”.
وأكد أن اللاجئ يجب أن يحاكم وفق القانون الدولي وليس الجنائي الخاص بالدولة الحامية له، فضلاً عن كون “أساس الاتهام باطل، فإذا صح أنهم منتمون إلى لواء التوحيد – وهو ليس كذلك – فهو من فصائل الجيش السوري الحر التي حاربت الإرهاب بكل أشكاله”.
وحول قضية التعامل مع جبهة النصرة أشار ليله إلى أن هناك الكثير من الجهات التي تعاملت معها، وعلى فرض صحة وجود ذلك فهو لا يصلح أن يكون بمثابة تهمة، وذكر على سبيل المثال أن هناك الكثير من المنظمات الدولية التي تتعامل مع هيئة تحرير الشام وحكومة اﻹنقاذ باﻹضافة إلى الجيش التركي، منوهاً بأن ذلك “ليس تهمة” إن “صحّ أصلاً”.
من جانبه قال مدير وكالة “شهبا برس” مأمون أبو عمر، لقناة حلب اليوم، إنه عرف أنس (ينحدر من مدينة بيانون بريف حلب) عن قرب، وإنه “ليست لديه أيديولوجيا متشددة”، بل إنه لوحق من قبل جبهة النصرة في بداية الحراك الثوري بسوريا، واختطفه عناصرها وهددوه ﻷكتر من مرة، كما أوضح أن ذلك كان السبب وراء كونه من قدامى النشطاء الذين غادروا سوريا.
وأشار أبو عمر إلى أن أنس كان إعلامياً محلياً عمل في منطقته قبل أن يشارك في وكالة “شهبا برس” منذ التأسيس، حيث “كان بدايةً يغطي الحراك السلمي، ولما تسلحت الثورة غطى المعارك ولم يكن يحمل سلاحاً”.
وقال مصدر مقرب من أنس لحلب اليوم إنه غادر سوريا في منتصف العقد الماضي، وإنه لم يكن يحمل أية أيديولوجيا، كما أنه لم يشارك في أية معركة.
من جانبه قال “ي.أ” عضو المكتب الإعلامي في لواء التوحيد إن يوسف كان في العشرينات من عمره خلال تلك الفترة، وكان يرافق أخاه أنس في العمل كإعلاميين، حيث نشطا في اﻹعلام المدني وتصوير القصف ومجازر سلطة اﻷسد.
وأضاف أن أنس كان يعمل مع وكالة سمارت وشهبا برس وهما وكالتان محليتان سوريتان تقدمان مواد عن القصف وقصصاً إنسانية، كما كان يغطي العمليات العسكرية بين الجيش الحر وسلطة اﻷسد، وبين الجيش الحر وتنظيم الدولة.
ولقيت الخطوة اﻷلمانية استياءً من قبل العديد من النشطاء والصحفيين والحقوقيين السوريين، وقال الصحفي السوري غسان ياسين إن جهود ما أسماها بـ”الدكاكين الحقوقية” أدت إلى “تصنيف قوى الثورة العسكرية كمنظمات إرهابية”، و”تجريم كل من حمل السلاح في وجه النظام البراميلي”، معتبراً أن ذلك كان “حلماً يراود الأسد”.
“إن لم تنتصر الثورة يُلاحق الثوار”
قال عبد الجبار العكيدي عقيد منشق عن سلطة الأسد ومؤسس وقائد المجلس العسكري الثوري في حلب سابقاً ، لحلب اليوم، إن لواء التوحيد من أهم وأكبر فصائل وتشكيلات الجيش الحر التي تشكلت منذ بداية تحول الثورة السورية للعمل العسكري من أجل حماية المتظاهرين والتصدي للميليشيات الطائفية.
وأوضح أنه كان جزءاً من المجلس العسكري بحلب وجزءاً من رئاسة اﻷركان التي تشكلت نهاية عام 2012، كما أن قائد اللواء السابق الشهيد عبد القادر الصالح كان نائب قائد الجبهة الشمالية برئاسة اﻷركان.
أما بخصوص التعاون مع جبهة النصرة، فقد أكد العكيدي أن كل الفصائل التي كانت موجودة على الساحة السورية تعاملت مع جبهة النصرة في البداية، وحتى مع تنظيم الدولة، وذلك عندما كانا فصيلاً واحداً، وحتى عندما انفصلا في ربيع عام 2013، بقي التعامل مع كل منهما حتى أواخر عام 2013 حيث كان الجميع على الجبهات المتلاصقة والتعامل فيما بينهم هو أمر واقع في حلب وغيرها من المحافظات السورية.
وأشار إلى وجود “منظمات حقوقية وأشخاص يدعون ملاحقة الإرهابيين وكل من أجرم بحق الشعب السوري كما يقولون ولكنهم تابعون لسلطة اﻷسد”، معتبراً أن هذا نتيجةٌ لتغير الواقع السياسي والعسكري على الأرض بعد التدخل الروسي وزيادة نفوذ الميليشيات الإيرانية وتراجع نفوذ الجيش الحر وتفاهمات أستانا ومحاولات التطبيع الاقليمية والعربية وتراخي مواقف دول عالمية.
وأضاف العكيدي قائلاً: “هذا أمر طبيعي إن لم تنتصر الثورة يُلاحق الثوار، وحتى المدنيون.. شاهدنا اﻵن أن اثنين من المحاكمين هما إعلاميان وليسا عسكريين.. من الواضح أن الموضوع مسيس وليس له علاقة بقضية الإرهاب ولا حتى بالفصائل المتشددة فلواء التوحيد فصيل له طابع إسلامي لكنه معتدل مثل غالبية الشعب السوري”.
لكن القيادي السابق بالجيش الحر لم يرَ أن اﻷمور تصل إلى درجة التطبيع اﻷوروبي مع اﻷسد، وقال إن الدول الأوروبية ليس في ذلك الوارد، ولا تزال متمسكة بموقفها في اشتراط تحقيق حل سياسي قبل أي استعادة للعلاقات، مضيفاً بالقول: “كنت أدعو دائماً الفصائل للانضواء تحت مظلة اﻷركان حتى تحميهم من التوصيف وإذا لم ننتصر فستضيق الأرض بما رحبت على الثوار والمناضلين الساعين لبناء دولة العدل”.
وختم بالقول: “بما أن الثورة لم تنتصر، فهذا أمر طبيعي والنتائج هذه متوقعة من قبل منظمات وأشخاص محسوبين على الثورة لكنهم حاقدون عليها.. لكن الثورة ستنتصر إن شاء الله”.
رسالة من ناطق سابق باسم لواء التوحيد إلى القضاء اﻷلماني
أكد “أبو الحسن” الناطق اﻹعلامي السابق باسم لواء التوحيد ( خلال الفترة من تموز ٢٠١٣ حتى نهاية ٢٠١٣ ) أن القرار “مسيء للإدعاء الألماني فهو يساوي بين الضحية والجلاد و بين المعتدي و المعتدى عليه.. فالجميع يعلم أن وجود اللواء و تسليحه كان لصدّ بطش وظلم قوات اﻷسد ضد الشعب السوري الأعزل الذي تجاوز حدود التصور”.
وأضاف أن “لواء التوحيد كان يتمتع بسمعة حسنة لدى عموم الشعب السوري و كذلك قائده الشهيد عبد القادر الصالح رحمه الله، حيث كانت له سمعة طيبة وأخلاق عالية يشهد بها العدو قبل الصديق، ووصم اللواء بالإرهاب يعني تبني ما يتروج له سلطة الأسد التي تعتبر كل من حمل السلاح للدفاع عن الشعب إرهابياً”.
كما أكد أبو الحسن أن أي اتهام يجب أن يستند إلى وقائع و معطيات ملموسة وأن وجود أفراد معدودين ربما يكونوا قد ارتكبوا أخطاء و قد انتموا في فترة من الفترات للواء لا يعني أن اللواء يتحمل تبعات أخطائهم.
وأشار إلى عمل عدد كبير من إعلاميي الثورة مع اللواء، كما “عملوا لاحقا مع جهات إعلامية مستقلة و منظمات إنسانية و هؤلاء لم يحملوا السلاح خلال عملهم مع اللواء ( مع أن حمل السلاح بحد ذاته ليس بجريمة ما لم يرتكب حامله جرماً )”.
وأهاب المتحدث بالقضاء الألماني “رد الدعوى و إبطالها و تبرئة المتهمين حفاظا على سمعته و عدالته”، متمنياً على المنظمات الحقوقية والإنسانية في ألمانيا و عموم أوربا مساعدة المتهمين و العمل على تبرئتهم.
كما دعا أبو الحسن “قادة اللواء الذين مازالوا على قيد الحياة و كل محبي اللواء لبذل ما في وسعهم لإنصاف المتهمين و الدفاع عن الثورة و إرثها في كل المحافل الدولية”.
ما مدى قانونية القرار اﻷلماني؟
أكد الأستاذ عمار عز الدين مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي جنوب تركيا، لحلب اليوم، أن قرار الاتهام جاء بموجب القانون الجنائي الألماني وفق الاختصاص الإقليمي وليس القانون الجنائي الدولي، منوهاً بوجود فرق كبير بين الحالتين، فبهذا التوصيف يكون الاتهام غير مستندٍ لمبدأ الولاية القضائية العالمية الذي تستند له الدول في تبرير اختصاصها القضائي بموجب جرائم مرتكبة وفق القانون الجنائي الدولي كجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية مرتكبة خارج الدولة.
وأوضح عز الدين أن قرار الاتهام جاء وفق القانون الجنائي الألماني الذي يحظر ويعاقب وفق “المادة 129 فقرة أ” الانتماء لمنظمات إرهابية أجنبية، ويجرم كل من ينتمي لمنظمة تعاونت مع منظمات مصنفة كإرهابية، ويشترط أن يكون الشخص عضواً ناشطاً وله دور في نشاط هذه المنظمة.
وبين أن اتهام الإعلاميين جاء – بحسب الرؤية اﻷلمانية – بسبب “نشاطهم بالترويج للمنظمة وهي لواء التوحيد حسب قرار الاتهام كونها تعاونت مع منظمات مصنفة إرهابية كجبهة النصرة وأحرار الشام”.
وأضاف أن المادة 129 جرمت “كل من شكل منظمة موجهة” تسبب أي “ضرر جسدي أو عقلي خطير لشخص آخر”، و كل من يشارك في “تخويف السكان بشكل خطير، أو إكراه سلطة أو منظمة دولية بشكل غير قانوني بالقوة أو التهديد باستخدام القوة، أو تدمير أو إضعاف الهياكل السياسية أو الدستورية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الأساسية لدولة أو منظمة دولية”.
وفي إجابته على سؤال من حلب اليوم حول كيفية إدانة لواء التوحيد بالتعاون مع جبهة النصرة، إذا كان ذلك قبل صدور قرار ألماني بتصنيف اﻷخيرة كمنظمة إرهابية، قال عز الدين، إنه “لا أثر رجعياً للقرار”، فهو ليس مبنياً على قضية التعاون فقط، بل على البند المتعلق بـ”تخويف السكان وإكراه سلطة.. إلى آخر ما هنالك من الفقرة السابقة” وذلك وفق الرؤية اﻷلمانية.
حملة “بعيدة عن اﻹنصاف”
قالت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، إنها تستغرب قرار المدعي العام الاتحادي الألماني، وتوصيفه لـ”المجموعة الثورية السورية لواء التوحيد”، باﻹرهابية، داعيةً إلى الحذر من الحملة التي تستهدف هذه “المجموعة غير النشطة حالياً”.
ونوهت في بيان يوم أمس السبت بأن “مجموعة لواء التوحيد التي تقاتل نظام بشار الأسد والميليشيات المتعصبة المدعومة من إيران والتنظيمات المتطرفة في مختلف أنحاء سوريا، وخاصة في شمال حلب، لا علاقة لها بالإرهاب”، مؤكدةً أن الحرب التي خاضها “لواء التوحيد”، هي لاستعادة حقوق السوريين الأساسية في الحياة وممارسة الديمقراطية المسلوبة.
وحذر البيان من خطر استغلال سلطة الأسد وحلفائه للحركات اليمينية المتطرفة والمناهضة للاجئين في أوروبا، وتحول المحاكمات إلى حملة “بعيدة عن اﻹنصاف” لمطاردة تستهدف ملايين اللاجئين، وآلاف المناضلين من أجل الحرية.
ودعت وزارة الدفاع السلطات القانونية الألمانية للتعامل مع الوضع السوري “بحيادية وبعيداً عن الانحياز”، وإعادة النظر في قرارها الذي “يخدم مصالح محددة ذات صبغات أيديولوجية”.
وكان “عبد القادر الصالح” مؤسس وقائد لواء التوحيد السابق قد أكد أن المعركة التي يخوضها فصيله هي ضدّ قوات اﻷسد فقط، و”ليست ضد طوائف العلويين أو الشيعة”، مؤكداً أن “قرار حمل السلاح كان رد فعل لحماية النفس من القتل مع إصرار اﻷسد على تصعيد العنف”.
وكان الصالح قد لقي قبولاً واسعاً لدى السوريين بسبب عفويته وبساطته وبعده عن التشدد، مع عدم الارتهان لجهات خارجية، وفقاً لمتابعين، حيث وضع محاربة سلطة اﻷسد بمثابة الهدف الوحيد له.
ولم تُعلن ألمانيا في وقت سابق تصنيف لواء التوحيد كمنظمة أو مجموعة إرهابية، كما أن اسمه لم يرد في التقرير السنوي لعام 2022 حول حماية الدستور وتهديدات اﻷمن القومي.
وكان اللواء قد تشكل من مجموعة من الكتائب المسلحة التي توحدت في 2012، قبل أن تُطلق “معركة الفرقان” للسيطرة على مدينة حلب، ونجحت في تحرير 70% منها قبل أن تتدخل ميليشيات حزب الله وإيران لتُحدث تراجعاً نسبياً في السيطرة.
بقي نشاط اللواء حتى عام 2014 حيث تولى خلال هذين العامين مهمة حفظ الأمن ومكافحة الجريمة في المناطق التي يسيطر عليها.