مع حلول عام 2024 وزيادة اﻷسعار لمختلف المواد في منطقة شمال غربي سوريا متأثرةً بارتفاعها العالمي جراء زيادة أجور الشحن البحري واﻷزمات الدولية، تلقى الأهالي في إدلب نبأ توقف منظمة غول عن ضخ المياه المجاني بعد سبعة أعوام من بدئه، وسط تراجع مستمر في مستويات الدخل وارتفاع معدلات الفقر.
تشير تقديرات فريق “منسقو استجابة سوريا” إلى انخفاض هائل في عملية تخصيص الاستجابة الشتوية للمدنيين لموسم الشتاء الحالي، في “أدنى استجابة له منذ عدة سنوات”، وبينما “تعاني كافة القطاعات من ضعف كبير مقارنة بالتمويل المطلوب سواء في قطاع الصحة والتعليم وقطاع المياه”، أتى قرار منظمة “غول” بوقف الضخ ليزيد من اﻷزمة اﻹنسانية.
قد لا يشكل ثمن الماء عبئاً كبيراً مع متوسط سعر للخزان الواحد سعة 1000 لتر قدره 60 ليرة تركية؛ مشكلةً كبيرة، ولكن مع ضعف الدخل اليومي فإنه سيكون بمثابة مزيد من الضغط على اﻷهالي، حيث أن الدخل الشهري لنحو 83 % من العائلات لايتجاوز 50 دولاراً أمريكياً، وفق تقديرات نشرها “منسقو الاستجابة” في تشرين اﻷول/ أكتوبر الماضي.
وفي تعليقه على الموضوع قال المهندس جمال ديبان مدير الدراسات في المؤسسة العامة لمياه الشرب بإدلب، في تصريح لقناة حلب اليوم، إن عملية الضخ في مدينة إدلب كانت تتم عن طريق منظمة غول منذ نحو سبعة أعوام، وكانت إدارة المنظمة تقول كل فترة من الزمن إنها ستوقف الضخ وتعطي إشعاراً بنيتها تسليم الملف إلى حكومة اﻹنقاذ لكنها تعود لتمدّد عملية الضخ.
وفي هذا العام تم إشعار الحكومة بنية منظمة غول الخروج، لكن المسؤولين في “اﻹنقاذ” توقعوا أن الموضوع سيتكرر، إلا أنهم اُبلغوا قبل أسبوعين بخروج المنظمة بشكل نهائي وتسليم محطات الضخ إلى مؤسسة المياه، وهو ما حدث بالفعل وكانت آخر عملية ضخ مجاني في 31/12/2022.
وحول أسباب الانسحاب فقد أكد ديبان أنها تعود لتناقص الدعم، قائلاً إنه ربما من سياسة منظمة غول أن تحافظ على نشاطها في أماكن معينة ضمن إمكاناتها وتمويلها.
هل تتبنى منظمة أخرى المشروع؟
أكد مدير الدراسات في المؤسسة العامة لمياه الشرب بإدلب، أن احتمال تبني جهة أخرى غير منظمة غول للملف هو احتمال قائم، رغم عدم وجود أي شيء واضح حتى اﻵن في هذا الخصوص.
وقال ديبان إن مؤسسة المياه قدمت دراسات للمنظمات العاملة بالمنطقة وخاصة العالمية منذ شهر ونصف الشهر، وتلقت “إشارات إيجابية”، ولكن “لا يوجد قرار نهائي حتى اليوم”، ولا زالت المؤسسة تنتظر الردود حول هذا الموضوع.
كيف سيتم تدارك اﻷمر على المدى المنظور؟
تشهد مصبات المياه المنتشرة حول مدينة إدلب حالياً ازدحاماً، حيث تصطف الصهاريج لتعبئة المياه مع زيادة الطلب عليها، ويشير مراسلنا في إدلب، إلى أنه لا يكاد شارع بالمدينة يخلو من صهارج التعبئة، منذ بداية العام الحالي.
يقول “أبو محمد” من أهالي المدينة إنه لا يكترث كثيراً باﻷمر، حيث أنه لم يستفد كثيراً من الضخ المجاني طيلة السنوات الماضية، لكون منزله مرتفعاً نسبياً، حيث لا تكاد تصله المياه، مما يُضطره لشراءها في أغلب اﻷحيان.
لكنه لا يرى أن ارتفاع سكنه هو السبب، إنما الهدر الكبير في المياه المجانية، حيث تفيض بها الشوارع مع حلول موعد الضخّ كل 8 أيام، وهو ليس ذنب منظمة غول – كما يقول – إنما يرجع لغياب الوعي وعدم ضبط مؤسسة المياه للموضوع.
من جانبه يرى ذيبان أن ضبط مسألة الهدر وسوء التوزيع التي كانت مستمرة منذ أعوام لا يمكن إلا بتركيب عدادات مع ضخ مستمر، لافتاً إلى أن الصهاريج لا تكفي احتياجات المدينة لذلك “نريد تولي الضخ بالتعاون مع اﻷهالي لاسترداد جزء من الكلفة”.
وأضاف أن “تكاليف الضخ باهظة ولا بد من التعاون المشترك”، حيث تحتاج مديرية المياه إلى “تحصيل قيمة الكهرباء التي سوف تُستهلك على اﻷقل” وسوف “تتكفل بالباقي لتأمين المياه”.
وحول مسألة تركيب العدادات قال إن اﻷمر لا يزال قيد الدراسة والتجربة، حيث ستقوم المديرية خلال الفترة المقبلة بتركيب عدادات في بعض القرى والبلدات ضمن التجربة قبل تعميمها.
وتتراوح قيمة تلك العدادات بين 50$ و 100$، حيث “تختلف بحسب نوعيتها وجودتها”، لكن المديرية “تريد جلب عدادات جيدة ومناسبة من الناحية الفنية”.
ولدى سؤال عن السعر الذي يُعتبر مكلفاً لمعظم السكان مع قلة مستويات الدخل، أجاب ذيبان بأن دفع ثمن العداد “سيكون لمرة واحدة”، لكنه “يُمكن من وصول الماء بشكل دائم ويوقف الهدر ويجعل التوزيع عادلاً ويمكن من وصول المياه لكل بيت”، بحسب تعبيره، حيث يلفت إلى أن الضخ كان سابقاً متفاوتاً بحسب موقع البيت، بينما “ستتيح العدادات توزيع الماء بشكل عادل”.
يُذكر أن مدينة إدلب تحولت عقب موجة النزوح اﻷخيرة في عام 2020 إلى مركز يؤوي مئات آلاف السكان، وسط حالة من الازدحام الشديد.