في سنة 2016، شهدت مدينة حلب السورية فصلاً مأساوياً في تاريخها، حيث تحولت إلى مسرح لأحداث التهجير الكبيرة، وكانت المدينة تواجه قسوة الحرب على مدى سنوات، ويعيش السكان في ظروف صعبة تحت وطأة القصف والمعارك، لكن اﻷمر بلغ نقطة اللاعودة في شهر كانون اﻷول بعد إطباق الحصار على اﻷحياء الشرقية.
تفاقمت الأوضاع عندما بدأت قوات اﻷسد والميليشيات اﻹيرانية في التقدم باتجاه الأحياء الشرقية المحاصرة، مما أدى إلى تشديد الحصار على المدنيين، وبدأ السكان يعانون من نقص الإمدادات الغذائية والخدمات الأساسية، وتزايدت المخاطر الأمنية.
في كانون اﻷول/ ديسمبر 2016، شهدت حلب عملية تهجير كبيرة للمدنيين من الأحياء الشرقية إلى “المناطق الآمنة”، في ريفيها الغربي والشمالي وإدلب حيث كانت لحظات مؤلمة، إذ ترك الناس منازلهم وأماكنهم، بحثاً عن مأوىً ما، مضطرين لذلك، عابرين طرقاً مليئة بالدموع، حيث وثقت الصور والتقارير الإعلامية مشاهد مؤثرة لعائلات تحمل بضعة أشياء فقط من ذكريات حياتهم، وقد أجبروا على ترك كل شيء وحمل ما خف وزنه في حقائب شخصية، ليركبوا “الباصات الخضراء” ويفرو من الموت.
إدلب.. حكاية مشابهة
عقب ذلك بثلاثة أعوام فقط تكررت المأساة في محافظة إدلب وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي.
ففي عام 2019، شهدت المنطقة مأساة إنسانية جديدة، حيث اشتد القصف وتقدمت قوات اﻷسد والميليشيات اﻹيرانية تحت غطاء جوي وقصف عنيف من القوات الروسية، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من السكان، على مدى أشهر، وشهد كانون اﻷول/ ديسمبر موجات النزوح الكبرى.
كانت إدلب ملجأً للنازحين من مناطق أخرى في سوريا، لكن الضيوف نزحوا مرة أخرى مع مضيفيهم، فيما شهدت المنطقة تحولاً كبيراً في ظل التصاعد العنيف للهجوم.
وبينما كانت الطرق مكتظة بالناس الفارين والأمتعة القليلة التي استطاعوا حملها، وسط حزن وخوف يعكسان حجماً هائلاً من الصعوبات، بدأت القوات التركية بالدخول في أعداد كبيرة لمحاولة وضع حدّ لزحف اﻵلة العسكرية التي تلاحق المدنيين.
احتاجت تركيا إلى إدخال لوائين كاملين تم نشرهما في خط التماس شمال غربي البلاد، مع إطلاق عملية “درع الربيع” والتي أنذرت بتصاعد الموقف بسبب إسقاط طائرات لقوات اﻷسد ومقتل عدد من جنوده في ضربات تركية، قبل أن يلتقي الرئيسان الروسي والتركي في الخامس من آذار بموسكو لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وتسيير الدوريات المشتركة جنوب إدلب.
وسحبت تركيا عقب ذلك نقاطها التي حوصرت في ريف إدلب الشرقي وريف حلب الغربي، فيما تعثرت الدوريات المشتركة على طريق m4 مراراً قبل أن تتوقف.
تشكلت مخيمات للاجئين في المناطق المحيطة بإدلب، ومع استمرار النزوح، كانت التحديات تتضاعف، ما يزال نقص الموارد والظروف الصحية الصعبة يشكل تحديات يومية للنازحين، فيما يتراجع دور منظمات الإغاثة الدولية مع خفض التمويل.
لا يزال المشهد في المنطقة على حاله منذ اتفاق آذار في 2020، ولكن رغم ثبات خطوط النار إلا أن قوات اﻷسد لم تسمح للمنطقة بالاستقرار، عبر قصفها بشكل متكرر مع الطيران الروسي، فيما تبقى أسئلة النازحين حول إمكانية العودة حتى اليوم.. بلا أجوبة.