هوت المزيد من العائلات “المستورة” إلى قاع الفقر خلال اﻷسابيع القليلة الفائتة، في شمال غربي سوريا، اﻷمر الذي لا يزال مستمراً منذ سنوات، ولكنْ تسارعت وتيرته مؤخراً، وفقاً لبيانات فريق “منسقو استجابة سوريا” التي تتقاطع مع تقديرات اﻷمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي.
وفي تقريره حول شهر تشرين الثاني قال الفريق إن نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية فقط ارتفع إلى 85.5 % مع مخاوف من زيادة النسبة الحالية بالتزامن مع فصل الشتاء، وعدم قدرة المدنيين على تأمين العمل مقارنة بفصل الصيف، كما رصد زيادة في نسبة الاحتياجات الإنسانية في مختلف القطاعات بمقدار 11.7 % عن الشهر السابق، قوبلت أيضاً بنقص الاستجابة الإنسانية بنسبة 9.8 %.
وتشهد المنطقة زيادة مضطردة في مشاهد اﻷطفال الباحثين عن أي شيء للأكل أو البيع في حاويات القمامة، وآخرين يتسولون في الطرق، وعائلات تسكن في بيوت “على العضم”، أو أقبية غير صالحة للسكن فضلاً عن الخيام.
يؤكد مراسل “حلب اليوم” في مدينة إدلب، أنها باتت نموذجاً فريداً لحالة غير مسبوقة من التفاوت الطبقي، حيث تفتتح المطاعم الفاخرة نسبياً بشكل متزايد، كما تكثر مظاهر الترفيه في الحدائق والمقاصف والمتنزهات، فضلاً عن السيارات الحديثة التي تزيد في الشوارع يوماً بعد يوم، وهو الحال نفسه في مدينتي الدانا وسرمدا بالريف الشمالي.
وظهرت حالة الاحتقان الشعبي من جراء التفاوت الطبقي في افتتاح مول “الحمرا” مؤخراً بالدانا، حيث بدا اﻷمر – ظاهرياً – اعتراضاً على “مخالفات شرعية” و”اختلاط” وقع خلال حفل الافتتاح، لكن كثيرين لم يُخفو سخطهم من تكدّس اﻷموال بيد فئات معينة فقط، وبأرقام مهولة بالنسبة لمنطقة شمال غربي سوريا، بينما يعتمد 85% على المساعدات اﻹنسانية والحوالات الخارجية ممن هاجر من ذويهم.
نساء كثيرات جداً وجدن أنفسهن وحيداتٍ أمام مسؤوليات جمة، بعد فقدان أزواجهن أو آبائهن وأقاربهن، مع الحرب القاسية والقصف الكبير وموجات النزوح الضخمة نحو الشمال السوري، ووسط ظروف قاسية حتى على الرجال، يُضطر الكثير منهنّ إلى العمل في شتّى المجالات بسبب غياب اهتمام المجتمع والجهات المسؤولة عن إدارة الشمال المحرر.
تقوم “أمّ محمد” كلّ يوم بنشر بضائعها على الرصيف بعد فتح “الكشك” الصغير الذي استأجرته بالقرب من إحدى الحدائق في مدينة إدلب، لعلّها تستطيع كسب قوت يومها وإعالة أولادها الثلاثة، وبالرغم من كونها غير سعيدةً ببيع اﻷلبسة المستعملة (البالة) على قارعة الطريق، إلا أنها تؤكد على عدم وجود خيارات أمامها.
تقول “أم محمد” التي تبدو عليها علامات الشحوب، في حديثها لـ”حلب اليوم”، إن وفاة زوجها في معتقلات سلطة اﻷسد، وانشغال أهله وذويه عنها وعن أولادها بسبب صعوبة ظروفهم وسفر معظمهم لخارج البلاد، تركها وحيدةً وحائرةً في خضم ظروف قاسية.
أما “سامية . ع” الفتاة العشرينية فإنها تُفضل العمل في محل لبيع اﻷلبسة النسائية لكسب قوت يومها بعرق جبينها من أجل إعالة بنتيها الصغيرتين، على العيش في المخيم، وتواجه ظروفاً صعبةً في بيت “على العضم” استأجرته على أطراف المدينة، تعاني فيه مع أطفالها من قسوة البرد وحرّ الصيف، وتشعر بشكل دائم بالخطر على نفسها وأطفالها.
وتوجد نساء اضطررن للعمل في مهن غير مناسبة على الرغم من وجود الزوج والمعيل، وذلك بسبب ضعف الدخل اليومي والرواتب وغلاء المعيشة.
الباحثة الاجتماعية “وضحة العثمان” قالت لـ”حلب اليوم” إن هذا الواقع مرتبطة بغياب الفرص الاقتصادية سواءً للرجال أو النساء، حيث أن هناك نسبة كبيرة من العائلات التي تُعال من قبل النساء.
ومنذ إصابته في قدمه أصبح “أبو محمود” غير قادرٍ على العمل بشكل كافٍ يعيل معه أفراد أسرته، فيما ترتفع اﻷسعار بشكل مستمر.
هذا الواقع دفعه للقبول بعمل زوجته في الخياطة ضمن منزلها، حيث تبيع اﻷقمشة وتخيط اﻷثواب للنساء، مما يمكنها من دعم زوجها في معركة الحياة الصعبة في الشمال السوري المحرر.
تختار “أم محمود” أقمشةً نسائيةً مميزة، وتُساعدها شبكة معارفها من النساء على ترويج بضاعتها، حيث ينحصر نشاطها ضمن نازحي قريتها الذين لجأوا من ريف إدلب الشرقي إلى بلدة صغيرة غربي حلب.
ورغم أن التسوّل ظاهرة غير صحية لكن الباحثة السورية ترى أن من النساء من تُضطر فعلاً إلى ذلك، حيث تزداد ظاهرة شحاذة النساء بالتوسع والانتشار في الشمال المحرر، وهو ما “تتحمّل المنظمات جزءاً من المسؤولية عنه”، فهناك “خطأ فادح” تشير إليه “العثمان” تمّ ارتكابه خلال السنوات الماضية، يتمثّل في تقديم اﻹغاثة فقط بدون خلق فرص عمل، مما جعل البعض يعتاد على التسوّل.
تجربة فريدة ولكن!
تفرض “هيئة الزكاة” التابعة لحكومة اﻹنقاذ في شمال غربي سوريا “إدلب” نظام الزكاة اﻹسلامي بشكل تدريجي، وتقول إن عوائدها تُوزّع على الفقراء بالمنطقة، في تجربة غير معهودة وتكاد تكون الوحيدة في الوطن العربي.
وبدأت الهيئة بتطبيق النظام على “الزروع” حيث تفرض على المزارعين نسبةً معينة من محاصيلهم بما في ذلك الزيتون والزيت، يجري تحصيلها سنوياً في المعاصر.
وذكرت مصادر مطلعة لـ”حلب اليوم” أن الهيئة تفكّر في فرض الزكاة على التجار إلا أن اﻷمر يحتاج لترتيبات واسعة، وإحصاء ومعرفة دقيقة بما يملكه كل تاجر، وليس من الواضح ما إذا كانت ستمضي في تطبيق اﻷمر فعلياً خلال المرحلة القريبة.
لكن ذلك لا يبدو جيداً بالنسبة لكثير من الفقراء، حيث ينظرون بشكل سلبي لتلك التجربة، بسبب عدم تلقيهم أي أموال، مع حالة عدم الثقة، وفقاً لما ذكره أحد السكان لمراسلنا في إدلب، حيث يقول إنه لم يشهد منذ انطلاق عمل هيئة الزكاة أي حالة في محيطه ﻷي شخص استفاد منها.
في المقابل يؤكد “محمد .ش” أنه حصل من الهيئة على مساعدة جيدة بمبلغ غطى له تكاليف عملية جراحية اضطّر لإجرائها، حيث يقول إنه باستطاعة من يرغب من الفقراء تقديم طلب للحصول على المساعدة في حال قدّم إثباتات تدل على وجود حاجة معينة لديه.
وحاولت “حلب اليوم” التواصل مع هيئة الزكاة للاستفسار، لكنها لم تتلقّ رداً على أسئلتها، حول جدوى عمل الهيئة وانعكاسه على المجتمع، والتفاوت الطبقي الحاصل.
ومع توارد أخبار الانشقاقات ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، تطفو على السطح بعض المعلومات حول أحجام ثروات هائلة لبعض قيادييها، ما يثير اﻷسئلة حول جدوى فرض “الزكاة” مع غياب الشفافية.