ترتفع معدلات الفقر باستمرار بينما تنخفض المساعدات المقدمة لشمال غربي سوريا، ما يؤثر سلباً على السكان، وخصوصاً اﻷطفال وهم الحلقة اﻷضعف في هذه اﻷوضاع الصعبة.
وقالت “زبيدة العمر” إنها ترضع طفلتها (40 يوماً) اليانسون، عقب تعرضها لصدمة أفقدتها القدرة على الإرضاع تماماً، تلقتها قبل سنوات حينما نجت من قصف ببرميل متفجر على المنزل الذي كانت تقيم فيه مع أسرتها في ريف إدلب الجنوبي، وتستخدمه اليون بدلاً من الحليب.
وقال مقدمو الرعاية الصحية في المخيم لها إن وزن الطفلة يدل على سوء التغذية وإنها مهددة بالوفاة، لكن بعد يومين في الحاضنة زال عنها الخطر، ولا يزال تناول الغذاء الصحي والكافي ليس خياراً متاحاً لها، بحسب ما قالته لجريدة “الشرق اﻷوسط“.
وبحسب المصادر اﻷممية فإن 3.7 مليون شخص فاقدون لـ”الأمن الغذائي” في شمال غربي سوريا، أي 82 بالمائة من مجموع السكان البالغ عددهم 4.5 مليون شخص.
وبعد قرار برنامج الغذاء العالمي إيقاف توزيع السلال الغذائية على العوائل المحتاجة مع بداية عام 2024، “ستزداد صعوبة تأمين الغذاء للعائلات الفقيرة، وترتفع نسب سوء التغذية التي تسبب مشكلات صحية تصل إلى الموت”.
وكان برنامج الغذاء العالمي قد بدأ بتقليص الحصص قبل سنتين لتصل إلى نصف الحجم الموصى به، قبل إعلانه في يونيو /حزيران من العام الماضي قطع المساعدات عن 2.5 مليون شخص من أصل 5.5 مليون محتاج كانوا يتلقون المساعدة يومياً في عموم سوريا.
كما أن المراكز الصحية الخاصة بعلاج سوء التغذية غير كافية لتأمين احتياجات المرضى بالمنطقة، ونقص التمويل الحاد، الذي بلغ عجزاً بنسبة 67 بالمائة حتى الشهر الماضي، يحمل القرار “عواقب لا توصف على ملايين الأشخاص”.
وقال أحمد هاشم منسق المشاريع الاجتماعية في «جمعية عطاء» للإغاثة الإنسانية شمال غربي سوريا، إن جهود عشرات المنظمات العاملة في المنطقة لم تكن تكفي 40 بالمائة من أعداد المحتاجين.
ووفق خطة برنامج الغذاء العالمي الحالية فإن النسبة الكبرى من العوائل المستفيدة ستستبعد من المساعدات، حيث كانت السلة “تسد الرمق بالحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية للعائلات، وتُرفق بمتمم غذائي لمساعدة المصابين بحالة سوء التغذية”.
ويخشى هاشم انعكاسات القرار على المجتمع بأكمله، إذ إضافة إلى خسارة العائلات المستفيدة فإن أسعار المواد الغذائية التي كانت تستوردها المنظمات إلى المنطقة، “سترتفع نتيجة قلة توافرها، ومن ثم سيزداد الفقر”، كما حذّر من الوصول إلى “المجاعة وسوء الأوضاع الاقتصادية”، و”قد تزداد السرقات والعنف أيضاً”.
من جانبه قال الطبيب المختص بالأطفال محمد حاج إبراهيم، إن نقص المساعدات الغذائية يهدد بمضاعفة أعداد المصابين بسوء التغذية، خصوصاً الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.
وأضاف أن النسبة الحالية تتراوح ما بين 25 إلى 30 بالمائة بين الأطفال في شمال غربي سوريا، وما بين 15 إلى 25 بالمائة بين النساء.
وأوضح أن سوء التغذية يهدّد الأطفال بنقص النمو أو ما يعرف بـ«التقزم»، وهو ما يعاني منه 22.3 بالمائة في المنطقة، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، ويعاني 36.18 بالمائة من الأطفال ما بين عمر 6 أشهر و5 سنوات من فقر الدم، في حين لا يحصل سوى 11 بالمائة من الأطفال ما بين عمر 6 أشهر وسنتين على الحد الأدنى من التغذية المطلوبة.
ويُحرم 44 % من الأطفال دون عمر 6 أشهر من الاعتماد على حليب أمهاتهم في التغذية، ويُرجع الطبيب محمد ذلك إلى الفقر وسوء التغذية ونقص الثقافة الطبية بين الأهالي.
حيث “يلجأ الناس لإطعام أبنائهم حليب الأبقار أو الأغنام أو الماعز، أو النشاء”، رغم “الخطر الذي تفرضه تلك التغذية الخاطئة على الطفل والتي قد توصله للعناية المشددة”.
وتوقع انتشار الأوبئة والأمراض السارية بعد توقف المساعدات الغذائية، لأن أجسام المصابين بسوء التغذية لن تمتلك المناعة اللازمة لصد الأمراض، وأضاف أنه في حال لم تتابع خطط المساعدة “ستكثر الوفيات والأمراض السارية والأوبئة بين الأطفال”.
يُذكر أن المنظمات الإغاثية توزّع المتممات الغذائية والفيتامينات وألواح الحلاوة والزبدة على اﻷطفال المصابين بسوء التغذية، لكن تلك المساعدات “غير كافية” بتقدير الطبيب، الذي أوضح أن كثيراً من الحالات بحاجة للعلاج ضمن المراكز الطبية ومن خلال التغذية بالحليب كامل الطاقة.