خاص | حلب اليوم
“القادم سيكون أعظم وستظهر المجاعة علناً، ما لم تتحرك سلطة اﻷسد مع بداية العام القادم وتضع حلولاً لمعالجة اﻷوضاع الراهنة”.. بهذه الكلمات اختتم موقع B2B الموالي والمتخصص بالاقتصاد تقريراً حول غلاء المعيشة، حيث أكد أن “المعيشة أصبحت قاسية والوضع بات لا يطاق”.
وبالرغم من حالة التدهور المستمرة منذ سنوات، إلا أن عام 2023 الحالي، حمل تطورات جوهرية تمثلت في تضاعف أسعار المواد وانخفاض الدخل بشكل غير معهود.
أغلقت عشرات المعامل في المنطقة الوسطى بمحافظتي حمص وحماة، خلال الصيف للماضي – وفقاً لتقرير سابق لموقع أثر برس – فيما توقفت نحو 70% من المداجن عن العمل في عموم مناطق سيطرة اﻷسد، وذلك حتى منتصف العام الجاري فقط، و عزف مزارعون خلال الموسم الحالي عن استثمار كامل مساحات أراضيهم، واقتلع بعضهم أشجار الحمضيات في الساحل ليزرع التبغ.
حتى المأكولات الشعبية البسيطة كالفول والفلافل لم تعد كذلك، فقد وصل سعر قرص الفلافل على سبيل المثال إلى 500 – 700 ليرة، وسعر السندويشة إلى 6000 – 9000، فيما تضاعفت أسعار اﻷلبان واﻷجبان بنسب تراوحت بين 150% و240%، وارتفع سعر زيت القلي إلى الضعف خلال اﻷسبوع الماضي فقط، وهو ما تزامن مع رفع أسعار الأدوية وحليب اﻷطفال بنسب تراوحت بين 70% و100%.
حتى اﻵن لا يوجد جديد على حالة الانهيار المستمرة لاقتصاد سلطة اﻷسد، ولكن اللافت أن تضاعف اﻷسعار ليس ناجماً عن تغير سعر الصرف، فهو ثابت منذ أشهر، ما يعني أنه ارتفاع حقيقي وليس مجرد تضخم.
في إفادته لـ”حلب اليوم” يرى الباحث الاقتصادي السوري “أدهم قضيماتي” أن الليرة السورية لا تحافظ على سعرها من الناحية الاقتصادية وأن ما يحدث من “ثبات” هو نتيجة “قبضة أمنية وتحكم العائلة الحاكمة بكل شيئ يتعلق بالاقتصاد السوري وعليه يجري تخفيض سعر الليرة السورية في فترات محددة يتم تحديدها من قبل المسيطرين على الاقتصاد في مناطق سلطة اﻷسد”.
أما بالنسبة للأسعار وارتفاعها فقد أرجع قضيماتي ذلك إلى سببين؛ الاول يتعلق بالسعر الحقيقي لليرة السورية وهو مغاير للسعر الحالي، و”لذلك نشهد ارتفاعاً في الأسعار وهو دليل على أن الليرة السورية ذاهبة إلى قاع جديد في الاتجاه الهابط”.
أما السبب الثاني فيعود إلى “ارتفاع متوسط الأسعار بشكل عام عالمياً ترافق مع رفع سلطة اﻷسد للدعم عن الكثير من المواد وأهمها المحروقات”.
هل ما يجري هو مجرد فشل؟ أم مخطط لصالح إيران؟
نشرت حلب اليوم تقريراً سابقاً الشهر الماضي، كشفت فيه عن فرار معظم من تبقى من تجار وأصحاب رؤوس أموال من حمص، بسبب تسلط فرع أمن الدولة عليهم، وفرضه إتاوات لصالح أسماء اﻷسد؛ الحالة التي تشهدها أيضاً دمشق ومناطق أخرى عدة.
وفي العاشر من الشهر الجاري أعلنت غرفة صناعة حمص أن الوضع “وصل إلى القاع”، وأن اﻷمر يحتاج لحلول إسعافية عاجلة، وهو الحال نفسه في باقي المحافظات ولا يقتصر على حمص، فقد كشفت مصادر إعلامية موالية لسلطة اﻷسد، عن توقف معظم التجار السوريين عن العمل في مناطق سيطرتها، بسبب الانهيار الاقتصادي المتزايد.
وتشير المعلومات “الرسمية” إلى توقف 93% من التجار المسجلين في “السجل التجاري” عن ممارسة أنشطتهم، وفقاً لما نقله موقع “الوطن أون لاين” عن عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم، خلال الشهر الحالي.
ووسط ذلك كله يزداد نفوذ إيران في مفاصل “الدولة” الاقتصادية، ويحل مستثمرون إيرانيون مكان السوريين الذين يغادرون المشهد، مما يثير اﻷسئلة حول ما إذا كانت هناك مؤامرة ما أم أن الوضع مجرد فشل؟!.
يرى الخبير الاقتصادي السوري أن التوسع الحاصل ﻹيران يمكن أن يكون نتيجة لاتفاقيات أبرمت خلال السنوات الماضية، وقد أصبح الوضع الراهن متاحاً لتنفيذ هذه الاتفاقيات، لافتاً إلى أن “الكثير من الاتفاقيات لم تظهر على العلن”، فيما “تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد أسود من خلال هيمنة الاتجار بالمخدرات بشكل بارز”.
إلى أين يتجه الوضع؟
يؤكد قضيماتي أن “الاقتصاد في سوريا لا يمكن أن ينهض إلا من خلال الوصول إلى حل سياسي يعيد وحدة الأراضي السورية، وتشكيل حكومة تعمل على مكافحة صناعة وتجارة المخدرات من خلال توفير قبضة أمنية تكافح الأنشطة غير القانونية”.
كما تحتاج البلاد لجملة من “الاجراءات المجتمعية اللازمة كرفع سقف الغرامات المالية ومدة الأحكام على كل من يتعامل في مثل هذه الأنشطة وغيرها من الأحكام والاجراءات، والعودة إلى الدورة الاقتصادية الطبيعية المعتمدة على الانتاج والتصدير بمختلف القطاعات والوصول للاكتفاء الذاتي وتوفير البنية التحتية اللازمة لكل ذلك”.
وليس سراً أن سلطة اﻷسد عاجزة عن تنفيذ أي مما سبق – هذا إن كانت أصلاً مهتمة بإيجاد الحلول – حيث يحقق بشار اﻷسد وكبار مسؤولي سلطته أرباحاً تُقدر بمئات المليارات سنوياً، مع ميليشيا حزب الله اللبناني، جراء الاتجار بالمخدرات، بينما يذهب المجتمع والاقتصاد إلى المجهول.