أكدت مجلة “فورين بوليسي” اﻷمريكية أن تقييد القوات الروسية في سوريا لعناصر “فاغنر” أو تفكيكهم سيفسح المجال أمام إيران لزيادة نفوذها في البلاد.
ولفتت المجلة إلى أن الشرطة العسكرية الروسية في سوريا احتجزت أربعة على الأقل من كبار قادة مجموعة فاغنر في سوريا، ونقلتهم إلى قاعدة حميميم الجوية على الساحل الغربي للبلاد كإجراء احترازي، ونقلت عن “مصادر متعددة” أن الجميع ما زالوا محتجزين في منشأة مغلقة هناك.
وتُعتبر قاعدة حميميم، مركز القيادة والسيطرة الروسية في سوريا والمقر اللوجستي لجميع عمليات فاغنر في الخارج، وهي أكبر منشأة روسية خارج الاتحاد السوفيتي السابق، حيث تغادر رحلات فاغنر من هناك إلى ليبيا ومالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وحتى فنزويلا عبر طائرات وزارة الدفاع الروسية، و”إذا منع الكرملين فاغنر من الوصول إلى هذه المنشأة، فإن إمبراطورية بريغوجين العالمية ستتوقف”.
وكما هو الحال في روسيا نفسها – حيث داهمت الشرطة وجهاز الأمن الفيدرالي مقر المجموعة وأغلقت الشركات التابعة لها – ورد أن قادة فاغنر في حميميم تلقوا إنذارًا لتوقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع أو العودة إلى ديارهم، ومع ذلك، بعد سنوات من الاستنزاف في صفوف وكلاء روسيا في سوريا، تشكل قوات فاغنر أحد المكونات الأساسية لما تبقى من حماية لمصالح موسكو في البلاد، مما يمنح بريغوجين نفوذاً كبيراً من المرجح أن يؤخر تفكيكاً مفاجئاً لنفوذه، وفقاً للتقرير.
يوجد لدى فاغنر ما بين 1000 و 2000 جندي منتشرين في سوريا، “يساعدون في حراسة البنية التحتية للنفط والغاز والفوسفات في صحراء البلاد”، وتدفع الشركة للمقاولين العسكريين السوريين الخاصين جزئياً الإيرادات المتولدة من هذه المنشآت، ومعظمها مملوكة أو تديرها شركات مرتبطة بجينادي تيمشينكو – أحد أقرب المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يزعم الخبراء أنه أشرف على ثروة الأخير الشخصية.
وبغض النظر عما يقرره قادة فاغنر، فإن ضمان احتفاظ روسيا بنفوذها على اﻷسد يعني تأمين ولاء الآلاف من المتعاقدين السوريين الخاصين الذين يقودهم بريغوجين؛ أما حدوث أي توقف أو تخفيض في الحوافز سيصب في مصلحة خصم روسيا الرئيسي؛ إيران، والتي يمكن أن تقدم لهؤلاء أسلحةً وأجوراً أفضل.
وأشار التقرير إلى أن روسيا وإيران على خلاف شديد في سوريا منذ عام 2017؛ حيث اشتبك وكلائهما عام 2018 للسيطرة على احتياطيات الفوسفات السورية واستمروا في القتال على الأصول الاستراتيجية الأخرى، بينما بدأت روسيا عام 2021 في قطع الدعم عن العديد من وكلائها في أجزاء من البلاد لم تعد تعتبرها استراتيجية.
وبحسب المجلة فقد حول الكثير منهم ولائهم لإيران لتعويض الرواتب المفقودة، وتسارعت هذه العملية بعد غزو موسكو لأوكرانيا في فبراير 2022، كما أن “التطبيع السريع الذي شهدناه في الأشهر الأخيرة بين الأسد وجامعة الدول العربية هو بحد ذاته استراتيجية الملاذ الأخير لاحتواء إيران بعد قبول أن روسيا قد لا تمتلك الوسائل للقيام بذلك”.
ويُعد مرتزقة فاغنر وشبكة مقاوليهم في مواقع النفط والغاز في جميع أنحاء سوريا، حالياً، أحد المكونات الأساسية العديدة لما تبقى من النفوذ الروسي، وبدعم جزئي من تدفق الإيرادات المستقل والمستدام، فقد أثبتوا حتى الآن مقاومةً إلى حد كبير لمبادرات إيران، و”إذا فقدت روسيا ولاء المرتزقة السوريين، فلن تكون قادرة على الاستمرار في إجبار الأسد على السماح للكرملين باستخدام الأراضي السورية لتهديد الناتو والتوسع في إفريقيا”.
ومع ذلك – يضيف التقرير – “في حال سقوط ركيزة أخرى في نظام بوتين، فقد يتغير ذلك، مع اتباع مرتزقة فاغنر السوريين نفس المسار الذي اتبعه العديد من الوكلاء الروس السابقين”، و”الأمثلة كثيرة”؛ ففي أبريل / نيسان 2021، “تجاهلت روسيا طلبات الدعم من ميليشيا مدعومة من القبائل تقاتل “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، وبعد هزيمتهم وطردهم من منازلهم فتح مقاتلو القبائل أبوابهم أمام إيران، التي نقلت كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الثقيلة وعوضت عن رواتب المجموعة المفقودة”.
وذكر تقرير المجلة “اللواءَ الثامن” الذي “كان في يوم من الأيام أكثر الوحدات ولاءً لروسيا داخل قوات اﻷسد في جنوب سوريا، ومع ذلك ، بحلول أواخر عام 2021، أصيبت موسكو بالإحباط بسبب فشلها في إرسال قوات كافية إلى البادية”، وخفضت رواتب الجماعة إلى النصف، وبحلول عام 2022، توقفت عن الدعم تماماً، والآن يحارب اللواء الثامن لصالح مديرية المخابرات العسكرية لسلطة اﻷسد، وهي أحد أقوى وكلاء إيران والمتورطين بشدة في تجارة المخدرات الإقليمية إلى جانب حزب الله وجماعات أخرى.
وفي تموز / يوليو 2022 ، انفصلت ميليشيات قوات الدفاع الوطني شرقي دير الزور بقيادة حسن الغضبان عن موسكو بعد أن أخفقت الأخيرة في دفع رواتبها لمدة ستة أشهر، واندمجت المجموعة بعد فترة وجيزة مع الفرقة الرابعة، المدعومة من إيران بقيادة ماهر الأسد متزعّم تجارة المخدرات في سوريا.
وخلص التقرير إلى أن روسيا في حال فقدت ولاء مرتزقتها في سوريا، فلن تكون قادرة على منع إيران وميليشياتها من استغلال الموقف.