كشف تحقيق استقصائي عن تلوث كبير في المزروعات والخضروات التي يتناولها سكان العاصمة السورية دمشق، جراء استخدام مياه الصرف الصحّي في ريّها، وغياب الرقابة والمحاسبة، بما يؤدي إلى انتشار السرطانات واﻷوبئة.
وأكد شهود من اﻷهالي والمزارعين أن التلوّث بات أمراً ملحوظاً وبكثافة، فيما تجري عمليات السقاية تلك بمعرفة مسؤولي سلطة اﻷسد، دون اتخاذ أية إجراءات رادعة.
ووفقاً لموقع Syria Indicator فقد أكد تحليل العينات في مخابر خاصة وعامة، اعتماد مزارعين في ريف دمشق على مياه الصرف الصحي الملوثة في سقاية محاصيل يتم تسويقها وبيعها في الأسواق المحلية، وهو ما يفاقم الكوليرا التي بدأت تنتشر في البلاد منذ صيف عام 2022.
وتؤكد منظمة الصحة العالمية إصابة 77 ألفًا و561 شخصاً في سوريا، منذ إعلان تفشي الكوليرا في 25 من آب 2022، وحتى تاريخ إصدار تقرير الوضع العالمي للمرض في 11 شباط 2023، بينما، يكشف برنامج الإنذار المبكر عن الاشتباه بـ 99902 حالة في شمال غربي سوريا فقط، حتى تاريخ 22 من تموز 2023.
ويؤدي تراكم استخدام مياه ونباتات ملوثة بالمياه العادمة، إلى السرطانات وبعض الأمراض الأخرى المتعلقة بالشلل والنخاع الشوكي، وفقاً لما تؤكده الدراسات واﻷبحاث.
ماذا يأكل الملايين في دمشق؟
تشكل المنتجات الزراعية في الغوطتين الشرقية والغربية المصدر اﻷساسي للخضار التي يتم استهلاكها بالعاصمة، ومع الدمار الذي لحق بالمنطقة جراء قصف قوات اﻷسد، وشحّ مصادر الطاقة اللازمة، باتت مياه الصرف الصحي مصدراً اساسياً لسقاية المزروعات، ومنها الخضروات.
وقال المزارع أحمد للموقع إنه يستخدم مياه الصرف الصحي في السقاية منذ عام 2019، حيث يزرع محصولين خلال العام، أحدهما صيفي يشمل الخيار، الكوسا، الباذنجان، والملوخية، والشتوي يشمل الفول والبازلاء، وهي محاصيل يتم تسويقها وبيعها في أسواق دمشق وريفها، مبرراً ذلك بأن السقاية “مكلفة جداً، حيث نحصل على 10 ليترات مازوت فقط، ماذا سنفعل بهذه الكمية الصغيرة؟.
بدوره قال سمير، وهو الآخر مزارع في الغوطة الغربية، إنه يسقي أرضه البالغة مساحتها 1500 متر مربع بمياه الصرف الصحي بعض الأحيان، وينتج في الصيف الخس والكزبرة والبقدونس، وفي الشتاء محاصيل الفول والبازلاء والسبانخ والبصل، بسبب مصادر الطاقة التي تمكنه من استخدام مياه الآبار.
سمية شديدة
يعتمد نحو خمسة ملايين نسمة من السكان في غذائهم على ما تنتجه أرياف دمشق من الخضروات والمزروعات التي يتم توريدها إلى سوق “الزبلطاني” المركزي، ليعاد بيعها وتوزيعها على الأسواق الفرعية والبائعين.
وتؤكد نتيجة التحليل أن تراكيز الرصاص (PB)، تجاوزت بكثير الحد الأقصى المسموح الذي توصي به منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية (FAO/ WHO) في الخضار وهو 0.3 ملغ/كغ، وقالت اختصاصية علوم وسلامة الغذاء والتقانة الحيوية، د. شيم سليمان، إن محتوى الرصاص في العينات التي جرى تحليلها، سجل تركيزاً من حدود 300 ملغ/كغ في عينات البقدونس، و250 ملغ/كغ في عينات السلق، بينما كان تركيز الرصاص أقل منها في عينات الفجل الأخضر 2.6 ملغ/كغ.
وهذه التراكيز من الرصاص تجاوزت بحوالي 1000 مرة بالنسبة للخضار الورقية، وبحوالي 9 مرّات بالنسبة للخضار الجذرية (الفجل الأخضر) الحد الأقصى المسموح به للرصاص الذي توصي به منظمتا الأغذية والزراعة والصحة العالميتان في الخضار وهو 0.3 ملغ/كغ.
وتوضّح د.سليمان، أن الرصاص هو أحد الملوثات البيئية شديدة السمية، والتي يمكن أن تشكل مركبات معقدة مع جزيئات حيوية مختلفة وتؤثر سلباً على وظائفها، وقد يكون له تأثير سلبي على الدم، والجهاز العصبي، والجهاز المناعي، والكلوي، والهيكل العظمي، والعضلي، والتناسلي، والقلب والأوعية الدموية، مما يتسبب في ضعف في تنسيق العضلات، وفي أعراض على الجهاز الهضمي، وتلف الدماغ والكلى، وضعف السمع والبصر، وعيوب في الإنجاب، فيما ويرتبط التعرض للرصاص في مرحلة الطفولة المبكرة وقبل الولادة بتباطؤ النمو المعرفي ونقص في القدرة على التعلم، والعديد من التأثيرات الأخرى.
أما بالنسبة لمعدن الكادميوم (CA)، فقد تجاوزت تراكيزه أيضاً الحد الأقصى المسموح والموصى به من قبل منظمتي “FAO” و”WHO”، وتباينت بين 9 ملغ/كغ في عينات البقدونس، و4 ملغ/كغ في عينات السلق، و0.12 ملغ/كغ في عينات الفجل الأخضر.
وتعني اﻷرقام أن هذه التراكيز تجاوزت بحوالي 45 مرة و20 مرة (بالنسبة للخضار الورقية، البقدونس والسلق على الترتيب) الحد الأقصى المسموح وفق منظمتي “FAO” و”WHO”، للكادميوم في الخضار، وهو 0.2 ملغ/كغ.
وللمستويات العالية من الكادميوم تأثير سام خطير على صحة الإنسان، وفقاً لسليمان، إذ تعتبر الكلى هي العضو المستهدف الحاسم عند الأشخاص المعرضين، ويكون إطراح الكادميوم بطيئاً جداً، ويتراكم في الكليتين عند الإنسان لفترة طويلة نسبياً، ما يؤدي إلى ضعف مديد في الجهاز الكلوي.
كما أظهرت التحليلات أن تراكيز معدن الكروميوم (CR)، تجاوزت بحوالي 35 مرة و20 مرة (بالنسبة البقدونس والسلق على الترتيب) الحد الأقصى المسموح به من قبل منظمتي الأغذية والزراعة والصحة العالميتين، للكروميوم في الخضار وهو 2.3 ملغ/كغ.
وحسب قراءة نتائج التحليل، ذكرت المتخصصة سليمان، أن تراكيز الكادميوم تباينت بين 80 ملغ/كغ في عينات البقدونس، لتنخفض إلى النصف تقريباً في عينات السلق 40 ملغ/كغ.
ويعتبر معدن الكروميوم (CR) من المعادن الضرورية بكميات معتدلة من أجل مسار سليم للعمليات الحيوية الفيزيولوجية في جسم الإنسان، ويجب توفيرها للكائن الحي بكميات مناسبة، حسب المتخصصة سليمان، لكن الاستهلاك المفرط له مع الطعام يؤدي إلى هيبوغلايسيميا “hypoglycemia” (هبوط سكر الدم)، وآثار على الجهاز الهضمي، كما قد يؤثر على الكبد والكلى والأعصاب أيضاً، ما قد يؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب.
يشار إلى أن رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها، أقرّ بمشكلة الأراضي التي تُسقى بمياه الصرف الصحي في الغوطة مدعياً أنها مساحتها محدودة، ومبرراً ذلك بأن الأمر يعود بشكل أساسي لعدم توفر مصدر مياه أو شح المياه.