سلّط تحقيق مفصل الضوء على ما آلت إليه أوضاع اللاجئين الفلسطينين بسوريا، بعد أكثر من 12 عاماً على اندلاع الحرب، التي شنّها نظام اﻷسد على السوريين، وسبّبت تشريدهم في مختلف البلدان.
وسبّبت الحملة العسكرية آثاراً مدمرة على مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين الذين دُمّرت مخيّماتهم بشكل كلي أو جزئي، وقتل أو اعتُقل الآلاف منهم، بينما يبقى مصير الآلاف منهم مجهولاً، واضطر عشرات الآلاف إلى النزوح أو اللجوء، ويعيش من قرّر منهم البقاء في سوريا أوضاعاً صعبة.
وكان عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يزيد على 570 ألفاً، حتى آذار/مارس 2011، بحسب وكالة “غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” في الشرق الأدنى (الأونروا)، قرابة 48 في المئة منهم عاشوا في المخيّمات، والبقية داخل المجتمعات السورية، أو في تجمعات فلسطينية على أطراف المدن.
ويوجد في سوريا 12 مخيّماً للاجئين الفلسطينين، تصنف (الأونروا) 9 منها رسمية، و3 غير رسمية، وفقا لتحقيق أجرته حملة “ارفع صوتك”، التابعة لقناة “الحرة” اﻷمريكية، فيما تكشف إحصاءات رسمية أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين تبقوا في سوريا، بلغ حتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، قرابة 42 ألفاً، أقل من 3 في المئة منهم يتواجدون داخل المخيّمات، ومن تبقّى منهم تفرقوا في عموم البلاد.
وتوثّق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل 3207 لاجئاً فلسطينياً، على يد قوات النظام، خلال الفترة من آذار/مارس 2011 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2022، إضافة إلى 2721 ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وخلال الفترة ذاتها، تكشف الأرقام التي حصل عليها “ارفع صوتك” لجوء أكثر من 30 ألفاً إلى لبنان، وما يزيد على 19 ألفاً إلى الأردن، وهما اللتان تقعان ضمن مناطق عمليات “الأونروا”، فيما وصل أكثر من 3 آلاف إلى مصر التي فتحت فيها “الأونروا” مكتباً مؤقتاً لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين.
ومع عدم وجود أرقام رسمية لأعداد الذين لجأوا من سوريا إلى تركيا، أو الذين انتقلوا إلى أوروبا، تقدّر تقارير غير رسمية أعدادهم بعشرات الآلاف.
تسكن أسرة اللاجئ الفلسطيني في سوريا “عمار القدسي” (52 عاماً)، منذ أيار/مايو 2018، في بيت مهجور بمدينة “أعزاز”، شمال مدينة حلب، بعد أن هجّروا من مخيم “اليرموك” للاجئين الفلسطينيين، الذي تأسس في العاصمة دمشق عام 1957 وهو أكبر مخيّم للاجئين الفلسطينيين في سوريا من حيثُ عددُ السكان؛ وبحسب إحصاءات (الأونروا) الصادرة مطلع 2013، فقد تجاوز عدد اللاجئين في المخيّم 160 ألفاً.
لقد فضّل “القدسي” مغادرة المخيم على الانخراط في تسوية تمكّنه من البقاء، حيث يقول: “لا يمكنني الوثوق بالنظام بعد كل ما تعرضنا له”، فقبل انطلاق الثورة في آذار/مارس 2011، كان الخمسينيّ يعمل مجازاً قانونياً في تعقيب المعاملات في مؤسسات الدولة والمحاكم، عملٌ وفّر له “حياة كريمة”.
أما بعد انتقال الصراع إلى داخل المخيّم، نشط “القدسي” في المجالين الإعلامي والإغاثي، بهدف “مساعدة المتضررين وكشف جرائم النظام بحق الفلسطينيين في المخيّم، والنازحين إليه من المناطق المجاورة”، كما يقول لـ”ارفع صوتك”، وهو النشاط الذي أصبح مطلوباً للنظام نتيجة وِشاية من لاجئ فلسطيني كان يقاتل في صفوف النظام.
ويقول: “بعد نحو شهر على اندلاع الاحتجاجات، أصبح المخيّم مكاناً يحتمي فيه سكان المناطق المجاورة، كانوا في حاجة مأوى وغذاء”، وبالتزامن مع هروب الناس إلى المخيم تشكّلت ميليشيا من تنظيم “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” لمنع الهاربين من الوصول إلى المخيّم.
وشارك تنظيم القيادة العامة وغيره من التنظيمات الفلسطينية الموجودة داخل سوريا في قمع الاحتجاجات إلى جانب النظام، ولعبت تلك التنظيمات دوراً رئيساً في المعارك التي شهدتها المخيمّات الفلسطينية ضد فصائل المعارضة.
ويؤكد القدسي: “رغم مشاركة العديد من التنظيمات الفلسطينية في الصراع إلى جانب قوات النظام، فإن الكثير من الفلسطينيين انحازوا للثورة، حتى أن النظام صار يعتبر مخيّم اليرموك، وغيره من المخيمّات بؤراً ثورية تجب معاقبتها”.
في 16 كانون الأول/ديسمبر 2012، قصفت طائرات النظام المخيم للمرّة الأولى مستهدفة جامع “عبد القادر الحسيني”، ومخلفة عشرات الضحايا غالبيتهم من الأطفال والنساء؛ يقول القدسي: ” مجزرة عبد القادر الحسيني كانت نقطة تحول، أصبحنا في مرمى الاستهداف، وبدأ الناس يغادرون”.
في تموز/يوليو 2013، فُرِضَ حصار “خانق” على المخيّم، ورغم مغادرة آلاف الفلسطينيين والنازحين السوريين، إلا أن تقارير (الأونروا) توثّق وقوع نحو 18 ألف إنسان تحت الحصار؛ يتذكر: “شاهدت الناس يموتون من الجوع، لم يكن لدينا ما نأكله، أكلنا الأعشاب والنفايات، وبعض الناس تغذوا على الجيف”.
سُمح للـ(أونروا) في كانون الثاني/يناير 2014، بتوزيع المساعدات على المحاصرين، يقول القدسي: “أنقذتنا تلك المساعدات، لكن نقاط التوزيع التي فتحت تحت سيطرة النظام تحولت إلى نقاط لاعتقال المطلوبين، كما تعرض اللاجئون للضرب والإهانة على مرأى من الموظفين الدوليين”.
في نيسان/أبريل 2015، علقت (الأونروا) عملها داخل المخيّم، بسبب الأوضاع الأمنية، معلنة أن عدد المتبقين داخله 6 آلاف فقط، ولاحقاً تمكنت (الأونروا) من توزيع المساعدات على المحاصرين بشكل متقطع، إلى أن أصبح المخيّم خالياً بشكل كامل بعد استعادة النظام السيطرة عليه في نيسان/أبريل 2018.
خلال سنوات الحصار رزق “القدسي” بطفلين، في العامين 2015 و2016، يتذكر: “أنجبت زوجتي دون توفر عناية طبيب، بمساعدة داية، كنّا خائفين أن يموتوا بسبب غياب الرعاية الطبية، أو سوء التغذية”.
تسبب الحصار بموت نحو 200 إنسان جوعاً، وفقاً لمنظمات دولية، فيما وصفته منظمة العفو الدولية بـ “جريمة ضد الإنسانية”.
بعد سيطرة النظام على المخيّم، غادرت عائلة القدسي إلى الشمال السوري ضمن قافلة ضمت مقاتلين وعائلات من رفضوا إجراء تسوية مع النظام، وتقدر مجموعة (العمل من أجل فلسطينيي سوريا) عدد الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري بنحو 5 آلاف شخص، يعيشون دون أي مساعدة من (الأونروا).
وفي الوقت الذي تواصل فيه (الأونروا) توزيع المساعدات على اللاجئين الفلسطينيين في مناطق سيطرة النظام، وبواقع مرّة كل ثلاثة أشهر، توقفت عملياتها في الشمال الخارج عن سيطرة النظام؛ نتيجة الأوضاع الأمنية.
ويقول المنسق العام لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، “محمود زغموت”: “أوضاع الفلسطينيين في الشمال السوري صعبة جداً، لقد فقدوا مصادر الدخل وارتفعت في صفوفهم نسب البطالة والفقر، وغياب الرعاية الصحية والتعليم”، ويتهم (الأونروا) بالتنصل من مسؤولياتها تجاه فلسطينيي سوريا النازحين في مناطق الشمال.
يذكر أن الحكومة الأردنية قرّرت في مارس 2012، منع الفلسطينيين الفارين من سوريا الدخول إلى أرضيها، وقامت بإعادة العشرات منهم قسراً إلى سوريا، حسب تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” يشير إلى تعرض عدد من المعادين إلى القتل في سوريا، لكن القيود لم تمنع الفلسطينيين من دخول الأردن، حيث اجتاز الآلاف الحدود باستخدام أوراق مزورة أو عبر الادّعاء بأنهم سوريون لا يملكون أوراقاً ثبوتية، ليبلغ عدد الفلسطينيين الذين لجأوا من سوريا إلى الأردن 19477 لاجئاً، حسب أرقام (الأونروا).