يُثني المجتمع المصري على اللاجئين السوريين الذين أحرزوا نجاحات لافتة بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد، حيث استطاعوا تكوين بيئة عمل استثمارية نوعية، وخصوصاً في العاصمة القاهرة.
واستطاع السوريون خلق فرص عمل يستفيد منها المجتمع المضيف، بينما تتلقى خزينة الدولة دعماً دولياً يعود بالنفع على قطاعات هامة كالصحة والتعليم.
وقال اللاجئ السوري المقيم في مصر منذ عام 2014، “محروس محمد وقاف”، في حديثه لموقع “العربي الجديد” إنه يجدد إقامته هو وأفراد أسرته، سنوياً مقابل 4250 جنيهاً (سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه 24.71 في البنك المركزي)، وفي أغلب الأحيان يضطر إلى دفع 200 جنيه رسوماً إضافية لكل فرد من أجل تعجيل الطلب.
ويؤكد “وقاف” أن عمله يتعطل بسبب انتهاء الترخيص السنوي لسيارته التي يعمل عليها في نقل طلبة المدارس، ولا يمكنه تجديد الترخيص إن كانت إقامته منتهية، حيث تشكل رسوم الإقامات المختلفة المفروضة على السوريين أحد أنواع التدفقات المالية التي تدعم الخزينة.
أنواع الإقامات المسموحة للسوريين
يوجد في مصر 144.167 لاجئاً سورياً مسجلين رسمياً لدى مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهو ما يمكن البلد من الاستفادة من عوائد الإقامات والتأشيرات، حيث تمنح وزارة الداخلية اللاجئين السوريين 5 أنواع من الإقامات، وتختلف رسوم ومدة كل واحدة.
ولا توجد بيانات رسمية مُعلنة لأعداد السوريين الحاصلين على الإقامات في مصر، لكنّ تقرير خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة لهم عامي 2019 /2020، يفيد بوجود 48.800 طالب سوري، بينهم 42.300 مسجلون في المدارس المصرية، و6500 في الجامعات، ويدفع هؤلاء رسوماً قدرها 650 جنيهاً (27 دولاراً) سنوياً للفرد، وهو ما يُعطي تصوراً تقريباً حول إسهام اللاجئين في اقتصاد البلاد.
ويستطيع ذوو الطلاب وأشقاؤهم ممن يقلّ عمرهم عن 18 عاماً الحصول على اﻹقامة أيضاً، وهو ما يرفد خزينة الدولة بالرسوم، بالإضافة إلى الإقامة السياحية التي يجب تجديدها كل 6 أشهر مقابل 560 جنيهاً (23 دولاراً)، ولا يسمح لحاملها في حال مغادرة مصر بالعودة إليها إلا عبر تأشيرة دخول جديدة، وفقاً للتقرير نفسه.
ويمكن استخراج إقامة المستثمر لدى افتتاح مشروع برأس مال يبلغ 35 ألف دولار كحد أدنى برسوم قدرها 3000 جنيه (122 دولاراً)، بينما يتمتع أصحاب العقارات التي يجب أن تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار بالإقامة العقارية ورسومها 1500 جنيه (61 دولاراً)، بشرط شراء العقار من طريق أموال محولة من الخارج، كما يمكن الحصول على إقامة زواج بعد الاقتران بحاملي الجنسية المصرية مقابل 600 جنيه (24 دولاراً).
اللجوء إلى السماسرة
منذ عام 2014 فرضت السلطات المصرية على السوريين غير المقيمين استصدار تأشيرة، “لتقييد تدفقهم الكبير وقتها بسبب الحرب والذي لم يتوقف وإن قلت وتيرته كثيراً”.
ويقول الشاب “محمد إبراهيم” الذي غادر دمشق متجهاً إلى مصر في 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هرباً من الالتحاق بالخدمة العسكرية، إنه حصل على التأشيرة من خلال وسيط مقابل مبلغ 1500 دولار، وإن الحصول عليها عبر الطريق الرسمي ليس بالأمر السهل.
ويُضطر السوريون إلى اللجوء للسماسرة، حيث يؤكد “إبراهيم” أن 80% من ركاب الطائرة التي قدم على متنها وتتسع لـ150 راكباً كانوا شباناً في عمره مسافرين إلى مصر بواسطة تأشيرة، وقلةٌ منهم مقيمون هناك.
وأجرت مُعدة التحقيق في الموقع اتصالاً بشركة سياحة وسفر يتداول السوريون اسمها، في سبتمبر/ أيلول الماضي، للسؤال عن الحجوزات، وأشار الموظف إلى أن جميع الرحلات مكتملة ولا توجد حجوزات حتى نهاية الشهر التالي، وأنهم يُسيّرون أسبوعياً 5 رحلات من سوريا إلى مصر لمقيمين وزائرين يحملون تأشيرات.
وتتلقى مفوضية اللاجئين في مصر من الدول المانحة دعماً مرناً يتيح مساحة تحرك وفق الحاجة المتغيرة في اختيار جوانب دعم اللاجئين، وتلبية متطلبات المجتمع المضيف ومؤسساته، وقد بلغت قيمة الدعم المخصص للاجئين العام الماضي 12 مليوناً و151 ألف دولار، منها 6 ملايين دولار تحت بند “الدعم المرن”.
مشاريع بارزة
يفخر السوري “أسعد بكري”، مالك مصنع حلويات في الحيّ الصناعي في مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة شماليّ مصر بأن منشأته علّمت ودربت نحو مئة عامل على صناعة الحلويات خلال تسع سنوات من افتتاحه، أكثر من نصفهم من المصريين.
وأعرب عن تفضيله تشغيل العمال المصريين، لكونه يبحث عن العامل الثابت، وهو ما يتوافر في المصريين أكثر من السوريين المجبرين على التنقل بفعل أوضاعهم غير المستقرة، حتى أصبح كثير من عماله المصريين مهرة في صناعة الحلويات السورية، وهو ما يرى فيه “رداً لجميل الدولة عليه” وفق تعبيره.
ووجد المصري “عبد الرحمن عمر” فرصته منذ 7 أعوام في مصنع ملابس سوري في مدينة العبور، بعد أن كان عاطلاً من العمل، وتعلّم وتدرب حتى تطور من عامل خياطة إلى “مقص دار”، وبات بإمكانه أن يؤسس عمله الخاص، وفق قوله.
وأجمع 9 عمال مصريين آخرين التقتهم معدّة التحقيق داخل مؤسسات سورية أُنشئت في مصر، منها مطاعم ومحال تجارية ومعامل، على أن العمل مع السوريين منحهم فرصة للتفكير في العمل في مجالات جديدة، وتعلم مهارات مختلفة ونوعية لم تكن متوافرة بالسوق المصري من قبل.
وقال المحامي المصري “يوسف المطعني”، المتخصص في قضايا اللاجئين السوريين في مصر، إن الاستثمارات السورية إضافة نوعية إلى سوق العمل المصري، مشيراً إلى أن الاستثمارات السورية وفرت فرصاً للعمل، وساهمت في الحد من نسبة البطالة في المجتمع المصري، وطورت من بيئة العمل ونوعيته، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن البنك الدولي عام 2017 بعنوان “أثر صناعة الوظائف في توسيع الفرص الاقتصادية للسوريين اللاجئين والمجتمعات المضيفة”.
ورجّح البنك الدولي أن حجم الاستثمارات السورية المسجلة في مصر بلغ 880 مليون دولار خلال عام 2017، ولفت في الوقت نفسه إلى أن حجم الاستثمار الفعلي قد يكون أكبر من ذلك، حيث أنه كثيراً ما يسجل اللاجئون مؤسساتهم التجارية بأسماء مصرية أو لا يسجلونها أبداً، مع وجود تسهيلات في مصر لجميع الاستثمارات، السورية وغيرها.
وتقدر المنظمة الدولية للهجرة في مصر (IOM) حجم الأموال التي نقلها 30 ألف مستثمر سوري مُسجل في مصر بمليار دولار منذ بداية اللجوء عام 2013، وفق ما جاء في تقريرها المنشور في السابع من أغسطس 2022، حيث “يعد السوريون الذين يشكلون 17٪ من أعداد المهاجرين الدوليين في مصر من أفضل الجنسيات التي تساهم بشكل إيجابي في سوق العمل والاقتصاد المصري، ما ينعكس على مصر كمجتمع مُضيف”، وفق التقرير.
يشار إلى وجود استثمارات سورية برؤوس أموال ضخمة في مصر، تعود إلى عام 1999؛ مثل شركة قطونيل التي تملك -وفق موقعها الرسمي- 4 مصانع في أربع محافظات، بالإضافة إلى مجموعة الرباعية لصناعة النسيج في مدينة السادات، وغيرها.