لم تُفوّت أنقرة فرصة الحاجة الغربية إليها في اشتراط موافقتها على انضمام دولتين غربيتين (فنلندا والسويد)، من أجل فرض شروطها وتحقيق مطالبها التي طالما نادت بها، حول وقف الدعم الغربي السخي لمنظمات معادية لها.
وقمعت الشرطة الفرنسية أمس الجمعة مظاهرة لأنصار pkk في باريس، احتجّ خلالها المئات ضدّ الحكومة، مطالبين بالضغط على تركيا، بسبب اتهامهم لها بالوقوف وراء عمليات تصفية سابقة بحق ثلاث ناشطات من “حزب العمال الكردستاني”.
واشتبك المتظاهرون مع الشرطة في وسط باريس، مطالبين بإعادة إحياء التحقيق في ثلاث عمليات قتل لم يتم حلها منذ عام 2013، لكنّ العناصر استخدموا الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين الذين حاولوا اختراق طوق أمني لحماية وزير الداخلية “جيرالد دارمانين”.
وشوهد البعض يلقون ببعض الأشياء على الشرطة ويشعلون النار في صناديق قمامة بينما تضررت عدة سيارات خلال الاضطرابات، حيث “يتهمون السلطات الفرنسية بعدم القيام بما يكفي لحمايتهم” وفقاً لوكالة “فرانس برس”.
ويؤكد مؤيدو pkk في فرنسا على غضبهم من موقف الحكومة، مطالبين باتخاذ إجراءات ضدّ تركيا، التي تُمسك حالياً بملف الغاز بالغ اﻷهمية بالنسبة لأوروبا، في ظل اﻷزمة الواقعة حالياً مع روسيا.
وكانت وكالة “اﻷناضول” قد كشفت منذ نحو أسبوعين عن تسليم “السويد” مطلوباً إلى السلطات التركية، محكوماً عليه بالسجن 6 أعوام و10 أشهر لانتمائه إلى “حزب العمال الكردستاني”، فيما أكد وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو”، أن المفاوضات مع فنلندا والسويد بشأن انضمامهما إلى الناتو مستمرة بشكل إيجابي.
وتبدو فرنسا حريصةً هذه اﻷيام على عدم توتير العلاقات مع تركيا، التي تطالب كافة دول الاتحاد اﻷوروبي بوقف دعمها لـ”المنظمة اﻹرهابية”، كما تبدو حريصةً أيضاً على عدم التأثير سلباً في مفاوضات الانضمام للحلف، أو العرض التركي بتقديم الغاز ﻷوروبا.
ولفتت “فرانس برس” إلى سماع بعض المتظاهرين وهم يرددون هتافاتٍ في مظاهرة أمس، لدعم “حزب العمال الكردستاني”، الذي “يشنّ تمرداً ضد الدولة التركية منذ عام 1984”.
وقال عضو “المجلس الديمقراطي الكردستاني” في فرنسا، “أجيت بولات” إنه “ليس هناك شك في أنه (تصفية الناشطات) هجوم إرهابي” متهماً تركيا بالوقوف وراءه، وداعياً إلى وقفة احتجاجية مساءً ضدّ الحكومة الفرنسية.
في تعليقه على احتجاحات باريس وملف العلاقة بين pkk والغرب، قال الأكاديمي السويدي “بول ليفين”، في “بودكاست” على موقع “المونيتور“، إن قرار بلاده بتحقيق مطالب تركيا هو “انتصار باهظ الثمن لها”.
ولفت إلى ضغوط أنقرة على السويد لقطع علاقاتها مع قوات “قسد” في شمال شرق سوريا، حيث “وافقت الحكومة السويدية الجديدة أخيراً على هذا الشرط واستئناف تصدير الأسلحة إلى أنقرة”.
وتم تقديم ذلك مقابل موافقة تركيا على عضوية السويد وفنلندا في الناتو، حيث يعتقد الأكاديمي السويدي أن هذه “التنازلات” هي انتصار لدبلوماسية تركيا، رغم أن “سلوك أنقرة أفقدها العديد من الأصدقاء” في الغرب، بسبب قضية “حزب العمال الكردستاني”.
من جانبه اعتبر “ديفيد يوبانك”، الباحث اﻷمريكي، أن قوات “قسد” تشعر بـ”مزيد من الخيانة من قبل الولايات المتحدة” في أعقاب موقفها اﻷخير من تركيا، حيث شنت هجمات ضدّها ضمن مناطق نفوذ الولايات المتحدة.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحاولون تهدئة الموقف، لكن قياديي “قسد” يقولون إن “رد واشنطن كان ضعيفاً ومن غير المرجح أن يتجنب هجوماً تركياً آخر”، وفقاً لـ”يوبانك” وهو مؤسس Free Burma Rangers، التي تُعرف نفسها بأنها “مجموعة متطوعة تساعد المدنيين في مناطق الصراع”.
وأضاف أن “الشعور بالخيانة من قبل الولايات المتحدة حالياً أعمق مما كان عليه عندما أعطى الرئيس دونالد ترامب لتركيا الضوء الأخضر لمهاجمة أجزاء كبيرة من شمال شرق سوريا في عام 2019”.
وتدلّ مجمل التغيرات على تقدّم وقوة الموقف التركي ضد العواصم الغربية، في ملف pkk سواءً بشمال سوريا، أو على الأراضي اﻷوروبية.
وتسعى تركيا للإمساك بالمزيد من الخيوط في علاقتها مع أوروبا، حيث تعمل على الدمج بين الغاز الروسي وعدة مصادر أخرى من أذريبجان والعراق وإيران، وإضافتها إلى احتياطيها في البحر الأسود، لتشكيل مُجمّع ضخم للغاز، من أجل تغذية أوروبا، التي تعاني بشكلٍ كبير هذه اﻷيام من نقص اﻹمدادات.
وفي النهاية تبقى قضية الدعم الغربي لـ”حزب العمال الكردستاني” وقوات “قسد” هي مجرّد صفحة في ملف السياسات المناهضة لمصالح تركيا في سوريا، وهو ما يدفعها لتسخير كل إمكاناتها في مقاومة السياسات الغربية، على اعتبار أنها تمس “الأمن القومي”.