خضر السوطري
رحم الله الشاعر الحلبي محمد منلا الدرويش غزيل من منبج كماأذكره الأديب الشاب نحيف القد غزير الفكر والثقافة.
وكان جريئاً في الحق شاعراً وخطيباً وفِي سبعينات القرن الماضي حيث كانت صحوة إسلامية كبيرة قوتها الكبرى في حلب وكان الدعاة يستغلون المناسبات ومنها المولد النبوي وغيره للتربية والتعليم وكانت المناسبة تطول شهر تقريباً وتنتقل من مسجد إلى مسجد ومن حي إلى حي وينتقل معها الجمهور مستمتعاً مسروراً يغذي صحوته وفكره وكلهم شبابُ جامعيون في زهرة شبابهم وأيضاً كانت الأنشطة في حمص كذلك إضافةً إلى نشاط موسم العراضات والأهازيج والإنشاد ومن ثم صارت تتحول الحفلات إلى مسارح خشبية مؤقتة في وسط الحي ثم تسير العراضات بشبابها ورجالها من حي إلى الحي الآخر باتجاه الحي صاحب الاحتفال مسيرةً إنشادية وبالسيف وبالترس فرحاً وحباً فتحرك الأشجان والقلوب ويضاف إليها خطبةً أو درساً من عالم أو شيخ فيكمل ويجمّل … ذكريات جميلة لا ينساها كل من كان في جيلنا ولَم يكن يتحدث أحدٌ لا من سلفية ولا من الصوفية عن حكمها ولاعن شرعيتها فقد كانت مشرعنة من كل العلماء لأنها كانت أدب الوقت وكانت المتنفس الوحيد الذي استغله الدعاة لشرح دينهم أمام ما كان يحاك ويخطط من قبل أدعياء( لا حياة في البلد إلا للتقدم والاشتراكية) والذين يدمرون اليوم البشر والحجر والشجر على مرأى من حماة ودعاة أصحاب العلمانية وتحرير البشر. كم كان لتلك الذكريات من تأثير على تربيتنا وشخصياتنا.
وأعود للشيخ الغزيل رحمه الله فقد كان جريئا في الحق وشاعراً وصاحب صنعة في الكلام ولكنه لا يلتزم موضوعاً واحداً ولكنه ينتقل كالبلبل الغريد من فنن إلى فنن ومن غصن إلى غصن ينشر أعذب الأفكار والأشعار بأسلوب خطابي فريد .ومن قصيدته الحرف والأفكار كتب يقول:
رسالة الحرف تأبى أن نضيعها سدى هباء مع الأوهام لاهينا
لا لن نمرغ في الأوحال فطرتنا ما دام نور كتاب الله يهدينا..
ومن أشعاره التي لا ننساها ندندن بها لليوم :
بجهادنا، بالحق، بالإيمان يسري في الدم.
بالروح تزخر بالسنا، وهدي النبي الأعظم.
سيزول ليل الظالمين، وليل بغي مجرم.
كنت في ريعان شبابي عندما كنّا نستدين أحياناً أجرة الباص من حمص مع الطلاب الجامعين لنحضر الحفلات ثم نعود إلى حمص وقد ننسى أنفسنا ونحن في الباص حتى نصل دمشق ثم نعود.وأحياناً ومن زخم الخطب والعطاء والفكر والتلميحات الواضحة ( وكانت في حمص أقل عياراً في مناهضة النظام) كنّا نرتجف ارتجافاً ونتوقع أن نخرج من المسجد( بلال) إلى بيت خالتنا… أيام ربيعية لاتنسى راسخة في شخصيتنا الثورية الشبابية الملتزمة والمتابعة وربما حتى يأتينا اليقين وكم أتمنى من الإخوة من عاصره أن يمتعونا أكثر عن تلك الواحات الربيعية التي ما زال عبقها يخترق أدمغتنا. ولا أنسى الأخوين الطالبين عبدالمعين السيد وبسام السباعي طلاباً جامعيين في حلب أكبر منا وكانا بلسم جراحنا وبنادول أوجاعنا وقضيا شهيدين أوائل الثمانينات رحمهما الله. مولد الرسول وذكراه ودروسهِ وعبره التي لا نقرأها بل نعيشها كانت واحات خضراء في صحرائنا المقفرة.
قرأت اليوم لابن القيم أنه يوجد ٤٠ فضلاً للصلاة على النبي ومن عرفها التزم الصلاة عليه فكانت زاده ومزودته.