سلط تقرير إعلامي الضوء على انتشار الشهادات الدراسية المزورة في مناطق سيطرة النظام بشكل كبير، في ظاهرة ممتدة منذ عقود، لكنها توسعت بشكل كبير خلال السنوات اﻷخيرة.
ولفتت جريدة “النهار العربي” إلى أن الموضوع لم يعد مجرد حدث استثنائي، إذ إن “قيادات من الصف الأول حملت شهادات مزورة، وافتضح أمرها، ثم أعفيت من مناصبها تحت ضغط الفضيحة”.
وأشارت إلى الانتشار الكثيف للظاهرة، حيث “تباع الشهادات الدراسية كثيراً وفي كل الاختصاصات تقريباً عن طريق تزويرها لتبدو طبق الأصل عن تلك الصادرة عن الجامعات الرسمية (تشرين – حلب – البعث – دمشق وأفرعها الثانوية).
سوق لشراء الشهادات من أوروبا الشرقيّة
توجه الكثير في مناطق سيطرة النظام إلى شراء الشهادات الدراسية من جامعات خارجية، وهو أمر “رائج في سوريا منذ عقود”، و”لجامعات بلغاريا ورومانيا أفضال لا تعدّ على أطباء ومهندسين وغيرهم، يمارسون اختصاصاتهم منذ سنين عديدة” إبان الحكم السوفياتي.
وقال المهندس المدني “معروف السالم” للصحيفة إنّ البعثات كانت أكثر من كثيرة أيام الاتحاد السوفياتي، وأضاف: “أتيحت لي فرصة السفر أكثر من مرّة، كان ذلك في الثمانينات، ثم علمت أنّه في جامعات معينة في رومانيا أستطيع شراء الشهادة بمجرد وصولي إلى هناك، من دون أن أدرس كلمة واحدة حتى”، مؤكداً أن “كثيراً من الزملاء سافروا في تلك البعثات وعادوا حاملين الشهادات، وبعضهم حمل الدكتوراه، وكان يتردد في الجو النقابي أحياناً أحاديث عن أنّ شراء الشهادات كان السمة الأبرز للسوريين في دول أوروبا الشرقية”.
من جانبه؛ قال المهندس “عباس شيحا” الذي كان على وشك الالتحاق ببعثة دراسية في ألمانيا الشرقية عام 1983: “حقيقة وقتذاك كنت أخطط لأن أذهب إلى ألمانيا الشرقية، ومنها إلى الغربية، ولكن حين درست الاحتمالات وتبين لي أنّ ذلك سيكون مستحيلاً، عدلت عن فكرة البعثة بأكملها، وتابعت تعليمي في دمشق وتخرجت منها”.
أما الطبيب “علاء مراد” وهو خريج روسيا، فقد قال: “حين التحقت ببعثة روسيا، كانت دولتنا تزودني بمرتب شهري بالدولار، وكان الوضع غير جيد في الاتحاد السوفياتي، من الظلم لنفسي ولزملائي أن أقول إننا تخرجنا من دون دراسة، قطعاً ذلك غير صحيح، ولكن للأمانة التاريخية، ربما نكون قد قدمنا مجهوداً أقلّ من أقراننا في جامعات سوريا”.
ورفض الطبيب التوغل في شرح تفاصيل “تقديم مجهود أقل” مكتفياً بالتوضيح أنّ الشهادة التي يعمل بها الآن هي شهادة نالها عن تعب وهي مستوفية لأركان العلم والمهنة.
شهادات طبق الأصل من جامعات النظام
تنتشر اليوم – وفقاً للتقرير – شهادات يتم شراؤها مقابل مبالغ مالية، سواء داخلياً أم خارجياً، وتقول “هدى بيرقدار” (خريجة جامعية – جامعة دمشق) إنّها تعرفت عام 2015 إلى فتاة اسمها “رقية” من ريف دير الزور خلال اتباعهما دورة متقدمة في فنون المحادثة باللغة الإنكليزية في أحد معاهد العاصمة دمشق، وهي “لم توفق في دخول الجامعة وتحقيق حلمها في دراسة اللغة الإنكليزية، بسبب ظروف عدة تتعلق بالحرب وابتعادها عن مدينتها الأم إبان معاركها ولجوئها إلى دمشق، فاستعاضت عنه بدورات مكثفة”، ثمّ “وجدت ضالتها للشهادة الجامعية، ومن دون أن تدخل الجامعة حتى”.
وبحسب “بيرقدار” فقد اشترت صديقتها شهادة مزورة “لا يمكن تفريقها عن الحقيقية، خصوصاً أنّها ستعود لتعمل بها في مناطق سيطرة (قسد)”، وهي تعمل بها الآن في مناطق شرق الفرات.
طريق سهل
أوضح التقرير أنّ الأمر لا يحتاج للكثير من البحث، فمعظم جامعات البلاد باتت تهيمن عليها الرشى والوساطات ودفع الأموال، وقد “تواصلت الجريدة عبر وسيط (طالب في كلية الآداب) مع مزوّر للشهادات الجامعية”، و”كان العثور عليه أمراً يسيراً”، حيث وصلت عبر طالبة جامعية تدعى (هيفاء .غ) إلى صديقها وهو الطالب الجامعي (أحمد .ج) والذي كان يريد شراء شهادة جامعية عبر وسيط، ولكنّه عدل عن قراره خوفاً من القانون، ولأنّه وصل إلى سنته الجامعية الثالثة، فكان الأمر لا يستحق المغامرة والمخاطرة، بحسب ما قاله.
وقال الوسيط إنّ سعر شهادة الماجستير والدكتوراه أغلى من الشهادة الجامعية، حيث طلب مبلغ 5500 دولار أميركي لمصلحة المزور لقاء استخراج شهادة جامعية بتاريخ قديم نسبياً، ولكن شرط أن يظلّ التعامل عبر الوسيط حصراً.
وتوجد “شبكة كاملة تعمل في الأمر، قوامها أشخاص من داخل الجامعة نفسها، ولديهم الكثير من الزبائن خارج سوريا، وآخرون في سوريا، وأكثرهم في المناطق التي لا تسيطر عليها قوات النظام”.
وكانت قناة “SVT” السويدية قد كشفت في تقرير تم إعداده في النصف الثاني من العام الجاري حول الشهادات المزورة في السويد، أنه في السنوات الأخيرة زاد عدد بلاغات الشرطة عن الشهادات المزورة من خارج البلاد زيادة كبيرة، وأكثر من 60% منها هي شهادات من سوريا، كما أن جامعة دمشق تحديداً ارتبط اسمها بكثير من حالات التزوير.