يصادف اليوم الجمعة الذكرى السنوية السابعة لبداية التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، فيما لا يزال المشهد في تعقيد وتداخل غير مسبوق بالمنطقة.
ورغم أن موسكو أعلنت في 30 أيلول 2015 عن دخول قواتها الجوية، مع قوات خاصة بشكل مباشر إلى اﻷرض السورية، إلا أن بداية تدخلها بشكل عملي تعود إلى عام 2011، حيث اقتصر على “المستشارين العسكريين”، والتدريب، واﻹمداد بالمعدات والذخيرة، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع.
ولم يتوقف الدور الروسي في سوريا عند القصف الجوي والدعم اللوجستي، بل عمدت موسكو إلى أساليب سياسية مصحوبة بالضغط العسكري، أدت في النهاية إلى تغيّر كبير في خارطة القوى.
خفض التصعيد
بدأ التدخل الروسي بحملة كبيرة ضد الشمال السوري في عام 2015، انطلقت من ريف حماة الشمالي باتجاه “خان شيخون” بريف إدلب الجنوبي، لكن الحملة فشلت مخلفةً “مجزرة دبابات” انتهت بتوقف محاولات التقدّم.
أما في ريف حلب فقد سعت القوات الروسية في تلك الفترة إلى الوصول للحدود المتاخمة لتركيا والتمدّد نحو “باب الهوى” – وفقاً لمصادر عسكرية روسية – بالتوازي مع الضغط على تركيا ﻹغلاق الحدود، لكنّ مساعيها اصطدمت بمقاومة عنيفة.
ومع نجاح جهود التقدّم البطيئ والتوسع التدريجي بمحيط العاصمة، في إنقاذها من السقوط بأيدي الثوار، اعتمدت القوات الروسية استراتيجية مشابهة أطلقت عليها “دبيب النمل” في محيط حلب، حتى أحكمت حصارها مع الميليشيات اﻹيرانية في 2016.
وتمكن الروس من تحييد الجبهات الساخنة وتهدئتها ضمن اتفاقات “خفض التصعيد”، حيث لجؤوا إلى تقسيم المناطق الثائرة ضد النظام لقطاعات وأعطوا وعوداً و”ضمانات” بالتهدئة، لكن قوات النظام والميليشيات هاجمتها واحدةً تلو اﻷخرى.
ومع حلول عام 2020 تمكنّ الروس والنظام واﻹيرانيون من توسيع السيطرة في محافظة دير الزور شرقاً، وكسر حصار المدينة، وتأمين الطريق إليها من حمص عبر البادية (لا يزال عرضة لكمائن يرجح وقوف تنظيم الدولة وراءها)، كما تمّ توسيع السيطرة في محافظة الحسكة.
وبسط النظام وحلفاؤه السيطرة الكاملة على الحدود الجنوبية والغربية لسوريا، لكن التقدم شمالاً اصطدم بالقوات التركية التي دفعت بلوائين كاملين يضمان 12 ألف جندي، وفقاً لتقديرات إعلامية تركية.
ولا يزال طريق m4 الممتد من جنوب إدلب حتى محافظة الرقة مروراً بريف حلب، محلّ نقاش ومحادثات مستمرة مع اﻷتراك، لم تستطع الدوريات المشتركة حلّها، كما لم تصل الاجتماعات المتتالية بشأنها في موسكو وأنقرة حسم ملفها إلى اليوم.
وانتهت آخر الحملات العسكرية الروسية في 2020، بتوسيع كبير للسيطرة في ريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي، قبل أن تُوقف عملية “درع الربيع” التركية محاولةً روسية جديدة للتقدم من جبهة الأتارب غرب حلب نحو “باب الهوى” شمال إدلب.
تركة ثقيلة
وفقاً لتقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، اليوم الجمعة، فقد أدى تدخل روسيا العسكري في سوريا، لمقتل 6943 مدنياً بينهم 2044 طفلاً و977 سيدة، ونزوح أكثر من 4 ملايين سوري.
وأظهر تحليل البيانات للشبكة أن العام الأول للتدخل الروسي شهد الحصيلة الأعلى من الضحايا؛ أي قرابة 52% من الحصيلة الإجمالية، تلاه العام الثاني قرابة 23%، فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا قرابة 41% بين المحافظات السورية، تلتها إدلب 38%.
كما وثق التقرير قتل القوات الروسية 70 من الكوادر الطبية، بينهم 12 سيدة، جلهم في محافظة حلب، وكانت الحصيلة الأعلى لهؤلاء الضحايا في العام الأول، إضافة إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني، نصفهم في محافظة إدلب التي سجلت الحصيلة الأعلى بين المحافظات.
وكانت الحصيلة الأعلى من الضحايا في العام الأول من التدخل العسكري الروسي قرابة 35%، فيما سجل التقرير مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
ويُضاف إلى ما سبق حصيلة ثقيلة من الاعتداءات على مراكز حيوية مدنيَّة شملت ما لا يقل عن 1243 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 223 مدرسة، و207 منشأة طبية، و60 سوقاً.
ولا يزال الوضع في سوريا غير مستقرّ بعد 7 سنوات من القصف الروسي، في ظل تعقد المشهد وتشابك الملف السوري مع ملفات دولية واسعة، وفي مقدمتها الغزو على أوكرانيا، والذي سبب خسائر روسية فادحة، وأدى لسحب جزء غير معروف من القوات والعتاد من سوريا، بينما يبقى الوضع الميداني والسياسي مفتوحاً على كافة الاحتمالات.