يسمّي البعض نظام اﻷسد في سوريا بنظام “الزومبي”، الذي تدلّ اﻷرقام واﻹحصاءات والمعطيات على دخوله في حالة من العجز والشلل التام، لكنّه مستمر في السيطرة ومحاولة البقاء بدعم خارجي قَصُرَ مؤخراً عن فعل أي شيء تجاه أزمته الاقتصادية المتعاظمة.
ورغم الحديث عن “سلاسل توريد” للمشتقات النفطية من إيران لا تزال مناطق سيطرته تعاني أسوأ وأطول أزمة محروقات، كما أن تشكيل مجلس اقتصادي مشترك مع سلطنة عُمان وتوقيع اتفاقيات اقتصادية مع اﻹمارات، ومحاولة إعادة إحياء “خط الغاز العربي” مع اﻷردن ومصر ولبنان؛ كلّ ذلك لم يغيّر شيئاً في المعادلة الاقتصادية على اﻷرض، فيما يلعب “الحليف الروسي” دور الدبلوماسي الذي يحاول استجرار الدعم من دول الغرب عبر إقناعها بتمويل “إعادة اﻹعمار”.
إلى أين وصلت اﻷزمة؟
تتنوّع المشاكل والسلبيات التي تعتري مختلف القطاعات في مناطق سيطرة النظام، بين الشلل التام والفشل الجزئي، حيث تؤكد مصادر إعلامية موالية للنظام في تقرير عن ريف دمشق على سبيل المثال، وجود تدهور في الخدمات الطبية وعدم توفر أدوية القلب والسكر ونقص في الكوادر الصحية، وسوء جودة الخبز وعدم توفره في كثير من الأوقات، وملاحقة التموين ﻷصحاب الأفران.
كما بلغ سعر ليتر البنزين بالسوق السوداء في ريف حماة إلى 8500 ل.س، فيما بات وجوده نادراً في المحطات، وهو حال معظم أنحاء مناطق سيطرة النظام، اﻷمر الذي أدى للإضرار بمختلف القطاعات نظراً لكون المحروقات المحرك اﻷساسي للعملية اﻹنتاجية.
وفي الساحل والغاب بريف حماة يشكو المزارعون عطش مزروعاتهم مع غلاء أسعار المحروقات وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر، وسط تراجع حاد في المساحات المزروعة، ومواجهة أصناف معينة لخطر الاندثار.
ويضاف كلّ ما ذُكر إلى حالة غير مسبوقة من انتشار المخدرات والاتجار بها وصناعتها وتهريبها، حتى باتت تنخر المجتمع السوري الذي يشهد أعلى مستويات للانتحار والجريمة والعنوسة، وإقبالاً غير مسبوق على اﻷدوية النفسية، وفقاً لمصادر إعلامية موالية.
أين تكمن المشكلة؟
يرى الدكتور “عبد الحكيم المصري” وزير المالية والاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة أن المشكلة ليست مشكلة “إدارة موارد” كما ادّعى “الخبير التنموي والزراعي” الموالي للنظام، “أكرم عفيف”، بل “المشكلة في اﻹدارة بشكل كامل من اﻷسفل للأعلى، فالنظام يدير البلاد بقبضة أمنية، كما أن اﻹمكانات غير متوفرة إطلاقاً، والإرادة غير موجودة”.
وكان “عفيف” قد اعتبر أنه “لا يوجد بلد مكتفٍ من كل شيء مثل سوريا لكن دون جدوى”، مرجعاً أسباب الفشل إلى “سوء اﻹدارة”، حيث رسم صورةً قاتمةً للمستقبل قائلاً: “سيجوع السوريون في أغنى بلد بالعالم من حيث الموارد الزراعية”.
وقال “المصري” إن الناتج المحلي اليوم يبلغ حوالي 15 مليار دولار، مقارنة بـ 20 مليار دولار في 2017 أي أنه انخفض رغم توسع مناطق سيطرة النظام.
وتشير المعطيات إلى اتجاه الزراعة للتوقف، فضلاً عن المداجن، كما أن عشرات المعامل في حماة ودمشق متوقفة منذ أشهر، بسبب غلاء المازوت وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المواد اﻷولية.
ويرى “المصري” أن حالة الشلل هذه “قديمة”، لكنها ازدادت خلال اﻷشهر الأخيرة بشكل كبير، حيث دخل النظام في مرحلة “الركود التضخّمي”، والتي تتمثل في وجود البضائع ولكن مع ارتفاع اﻷسعار وانعدام القدرة الشرائية.
اقتصاد اﻷسد في أضعف حالاته
لا يقتصر اﻷمر على شطب شرائح واسعة مما يسميه النظام “الدعم الحكومي” عبر “البطاقة الذكية”، فقد قام مؤخراً بتحرير أسعار معظم السلع، ولفت الوزير إلى أن النظام كان يسمح بدعم حوالي 50 مادة عبر السماح باستيرادها بالدولار بموجب سعر التصريف الرسمي، لكنه منذ حوالي الشهر ألغى ذلك باستثناء المحروقات والطحين وحليب اﻷطفال فقط، أما بقية المواد فأصبح على التجار استيرادها ودفع أسعارها بموجب سعر التصريف بالسوق السوداء أي بما يتجاوز 4600 ليرة للدولار، وهو ما سيؤدي لغلاء جديد في كافة السلع بما فيها اﻷسمدة الزراعية.
ولم يعد لدى النظام أية أوراق يمكن أن يلعب بها، للخروج من أزمته الحالية – يضيف المصري – سوى الضغط على المواطنين والتجار، والاستيلاء على أموال التجار ممن كان يدعمهم في انتظار تغيّر الظروف، فهو “يتمتع بنفس طويل وينتظر حدوث شيء ما وتغيّر الأحوال، أو رفع العقوبات عن إيران بحيث تستطيع دعمه بعد تحسن اقتصادها”.
كما أكد المصري أن النظام “يعتمد على دعم حلفائه من تحت الطاولة”، ويعتمد على تحويلات المغتربين حيث يسمح بتحويلات مالية بموجب أسعار الصرف التي يفرضها هو، إذْ “لم يعد لديه ما يفعله سوى اللجوء إلى أساليب القرصنة على الناس”.
ويقول “عفيف” في حديثه لموقع “ميلودي دراما” إن “كل المواسم الزراعية خاسرة فأقل دونم يكلف 700 ألف ليرة بالتالي الفلاح يحتاج 28 مليون.. لم يعد هناك أراضٍ زراعية في الغاب، لأن تكاليف العملية الإنتاجية فاقت قدرة الفلاح، والمصارف الزراعية لا تموّل، بالتالي كيف سيتدبر الفلاح أموره، وطن السماد قبل الرفع كان 75 ألف وبالواقع كان يباع 200 ألف بعد الرفع الأخير سيصبح يباع بـ 300 ألف”.
وأكد أن المشكلة ليست بالتغير المناخي إنما قلة المحروقات وقلة السماد وقلة الاهتمام بسبب غلاء المستلزمات، متسائلاً: “كيف يُسعّر القمح على أساس إنتاجية 350 كيلو للدونم بينما في الحقيقة الإنتاج 167 كيلو، كيف يُسعر كيلو الشوندر بـ 250 ليرة مع العلم أنه يحتاج 100 ليرة فقط للنقل غير المستلزمات الأخرى، كما أن الكيلو يحوي 150 غرام سكر يبلغ سعرهم 600 ليرة، وقيمة التفل 350 ليرة أي الكيلو 950 فكيف يسعر 250 ليرة”.
وتبقى اﻷحوال المالية المتردية للسوريين في مناطق سيطرة النظام في اتجاه مزيد من التراجع والانحسار، بينما يشدّد قبضته اﻷمنية، ويراقب صفحات “الفيسبوك” ويمنع نشر أية معلومات توضّح حالة السخط لدى المواطنين، ويبقى السؤال اﻷخير بلا إجابة؛ إلى متى سيستطيع النظام الاستمرار على هذه الحال؟