يواصل واقع الزراعة في الساحل السوري التراجع بشكلٍ مستمر منذ عشر سنوات، وخصوصاً قطاع الحمضيات المحصول اﻷساسي بالمنطقة، والتي كانت مصدراً يكفي ليس سوريا فحسب، بل الدول المجاورة، فيما تكاد هذه الزراعة تحتضر اليوم، نتيجةً لعوامل عدّة.
وبحسب “المعلومات الرسمية” التي نشرها “مكتب الحمضيات” التابع لوزارة الزراعة في نظام اﻷسد، يوم الاثنين الفائت، فإن إنتاج “سوريا” من الحمضيات لهذا الموسم سجل تراجعاً كبيراً عن المواسم السابقة يصل لنحو 40% مقارنة مع إنتاج موسم عام 2018 الذي وصل إلى مليون ومئة ألف طن.
وبلغ إنتاج موسم العام الماضي 2021 نحو 800 ألف طن، فيما وصل إنتاج موسم العام الحالي لنحو 640 ألف طن فقط موزعةً على محافظتي طرطوس واللاذقية ( 153 ألف طن في طرطوس – و 487 ألف طن في اللاذقية).
دور إيراني سلبي
لا تقف المعضلة التي يواجهها المزارعون عند انخفاض اﻹنتاج، فحتى في اﻷعوام التي شهدت وفرةً في الموسم، بقيت ثمارهم دون أن يجدوا من يشتريها، لتتعفن في صناديقهم وأراضيهم، دون أن يفتح النظام المجال لتصديرها، ﻷسباب مبهمة، وسط اتهامات ﻹيران بالتسبب بهذا الواقع الصعب لمزارعي الساحل معقلِ نظام اﻷسد.
ونشأ هذا الواقع مع توقف أو تراجع التصدير إلى العراق بشكل كبيرٍ جداً، بالتوازي مع تسويق الحمضيات اﻹيرانية في السوق العراقية، ويتساءل المزارعون عن اﻷسباب الحقيقية التي جعلت البرتقال والليمون اﻹيراني أرخص وأكثر جودةً من نظيره السوري، وأيضاً اﻷسباب التي تجعل النظام غير قادر على تلبية استغاثاتهم.
ويقول المزارعون إنهم يتكبّدون خسائر بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة، وخصوصاً مع القرار الذي اتخذه النظام مؤخراً برفع “الدعم” عن السماد الزراعي، والذي تضاعفت أسعاره على الفور.
وأمام هذا الواقع يمتنع بعض المزارعين عن جني محصولهم، بل إن بعضهم يقوم باقتلاع أشجار الحمضيات، ويقولون إن تحطيب اﻷشجار أجدى من صرف النقود عليها بلا طائل.
وترتفع تكاليف جني المحصول، مع ارتفاع أجور العمال، والري والنقل واﻷسمدة، فيما تُباع بأسعار رخيصة في سوق الجملة (الهال) بالمدينة، ويعود سبب تدني أسعار الحمضيات وفقاً للمزارعين إلى زيادة العرض بالأسواق الداخلية خلال موسم جني الحمضيات وضعف أو توقّف التصدير.
نُدرة الماء والمحروقات
يشتكي أبناء محافظتي اللاذقية وطرطوس من عطش في مياه الشرب والاستخدام المنزلي، فضلاً عن مياه الري الزراعي، في ظلّ أزمة المحروقات وتوقّف محطات الضخ نتيجة تقنين الكهرباء.
ونشرت صحيفة “الوطن” الموالية تقريراً مطلع الشهر الجاري يكشف عن موت العديد من المزروعات عطشاَ بسبب فقدان الماء مع حرارة الصيف، فيما يمثل تأمين المازوت لسقيها مشكلة كبيرة لقلّته.
ويتوافر المازوت في “السوق السوداء” بأسعار عالية جدّاً تجعل من غير المُجدي ريّ المزروعات بما فيها اﻷشجار التي تحتاج لكميات كبيرة، اﻷمر الذي انعكس ارتفاعاً في أسعار شتّى الخضروات والفواكه، وسط وعود متوالية من حكومة اﻷسد بتحسين الوضع الزراعي، وإنشاء معمل للعصائر وتحمّل تكاليف النقل وفتح أسواق أمام الإنتاج، لكن أياً منها لم يُنفّذ.
ولا يقتصر هذا الواقع على الحمضيات، فقد كشفت مديرية زراعة “طرطوس” في وقت سابق عن تراجع عدد البيوت المحمية المزروعة المخصصة للبندورة والخضار في المحافظة بشكل كبير نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج وبيع قسم من البيوت البلاستيكية، مقرّة بالعجز عن “مساعدة الفلاح في تصريف منتجه والتمسك بأرضه وزراعته”
كما أكد “اتحاد فلاحي طرطوس” أن المشكلة التي يعاني منها المزارعون “منذ عقود وليس اليوم فقط” تتعلّق بمجال التسويق، وغلاء مستلزمات الإنتاج وانخفاض سعر البندورة مقارنة بالتكلفة.
قرارات كارثية
رفعت حكومة النظام الدعم عن السماد منذ أيام، لتتضاعف أسعاره عدّة أضعاف مرةً واحدة، حيث قفزت قيمة الطن الواحد من سماد “اليوريا” في المتوسط من 600 ألف ليرة إلى مليونين و400 ألف ليرة، وقفز سعر “نترات الأمونيوم” إلى مليون ونصف المليون ليرة.
ونقلت مواقع إعلامية موالية للنظام عن العديد من الفلاحين وصفهم للقرار بـ “الكارثيّ” عليهم وعلى الزراعة في البلاد، فضلاً عن المستهلكين، وهو ما تسبّب برفع أسعار المنتجات الزراعية مجدداً، والتي كانت أصلاً “تتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين”.
والنتيجة النهائية لكلّ ما سبق تتمثّل على أرض الواقع بتراجع الحمضيات السورية والتي أصبحت مهدّدة بالفعل بالزوال نتيجة الضربات المتوالية التي تعرّضت لها مع استمرار إغلاق اﻷسواق الخارجية أمامها، فيما يشهد الساحل تحوّلاً متزايداً إلى زراعة التبغ مع اقتلاع الشجر، فهل يمكن أن يصبح الساحل السوري بلا حمضيات في يومٍ ما؟!