سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على التراجع العسكري للجيش الروسي في أوكرانيا، بعد أشهر من غزوها، فيما اعتبر عسكريون وخبراء أن ما يجري دلالة على انكسار كبير للقوات الغازية.
وفي مقال بعنوان “الخسارة السريعة للأراضي في أوكرانيا تكشف عن استنفاد الجيش الروسي” قالت الصحيفة، أمس الثلاثاء، إنه يمكن لقضايا القوات واللوجستيات بالإضافة إلى الخسائر في المعدات أن تحد من قدرة “فلاديمير بوتين” على الدفاع عن الأراضي التي يسيطر عليها بالفعل، حيث أدت خسارة موسكو السريعة لأكثر من 2300 ميل مربع من الأراضي في شمال شرق أوكرانيا إلى زيادة احتمالية أن يتم استهلاك الجيش الروسي كقوة هجومية في المستقبل المنظور.
وأوضحت أن الوضع منفتح على مزيد من الهزائم، وفقاً لمحللين عسكريين، إذ أن المسألة بالنسبة لبوتين، عبارة عن مهمة “نزع للسلاح” من البلاد، لكنه انسحب من “كييف” بعد ما يزيد قليلاً عن خمسة أسابيع من بدء الغزو للتركيز على توسيع السيطرة على شرق أوكرانيا من خلال المدفعية.
وبينما تتراجع القوات الأوكرانية عن تلك المكاسب الشرقية، يواجه “بوتين” عقبات في تجديد الآليات المدمرة والمعدات المتدهورة لجيشه، بحسب الصحيفة التي تساءلت إلى أي درجة ستسمح أوكرانيا لروسيا بأخذ زمام المبادرة مرة أخرى في ساحة المعركة؟.
وتأمل القوات الأوكرانية – على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تلقتها – في تحقيق المزيد من المكاسب الإقليمية قبل أن تؤدي ظروف الشتاء إلى تقوية خطوط القتال، حيث أن المكاسب الإضافية التي حققتها أوكرانيا، لا سيما حول مدينة “خيرسون” الجنوبية، “ستوجه ضربات إضافية إلى الروح المعنوية الروسية وتزيد من الضغط على بوتين، الذي يواجه بالفعل دعوات من قبل المتشددين الروس للإعلان عن تعبئة عامة قد تكون سامّة من الناحية السياسية لنظامه”.
وقال “مايكل كوفمان” المحلل العسكري الروسي في مجموعة الأبحاث CNA ومقرها “فرجينيا”، إن “الانهيار السريع للجبهة الروسية حول خاركيف في الأيام الأخيرة يعكس المشكلات الهيكلية المتعلقة بالقوى العاملة وانخفاض الروح المعنوية في الجيش الروسي المنهك”، مضيفاً أن “نهجه غير مستدام”.
وبحسب “كوفمان” فإن القوات الروسية “تواجه الإرهاق ومشاكل الاحتفاظ وتدهورًا ثابتًا في الفعالية القتالية، إذ إن “التعبئة الجزئية في روسيا يمكن أن توفر دفعة في العام المقبل، لكن روسيا تفتقر إلى القوات على المدى القصير للدفاع عن أراضيها في جنوب أوكرانيا مع تحقيق أي تقدم ملموس في منطقة دونباس الشرقية”.
صحيفة عبريّة تسخر من تراجع الروس في أوكرانيا.. وإسرائيل ستزوّد ألمانيا بمضادّات لمواجهة أي هجوم من موسكو
من جانبه؛ قال اللفتنانت جنرال المتقاعد “بن هودجز” القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا، إن “الجيش الروسي قد وصل إلى نقطة الذروة، أو اللحظة التي لم يعد فيها بإمكان القوة المهاجمة المضي قدمًا”، موضحًا أن “القوات الأوكرانية ساعدت في تحقيق ذلك”.
ويرى “هودجز” أن “ما يحدث الآن هو تتويج لشهرين من العمل الشاق حقًا من التخطيط والإعداد من قبل هيئة الأركان العامة الأوكرانية، لتعطيل الخدمات اللوجستية الروسية، وتدمير مراكز القيادة، وتدمير مدفعية وإمدادات الذخيرة – لإضعافهم حتى يكونوا عرضة لهجوم مضاد”.
واستدرك الجنرال اﻷمريكي قائلًا: إن المفتاح الآن هو: “هل يستطيع الأوكرانيون تحمل هذا؟”، موضحًا أن شركاء أوكرانيا الغربيين سيواصلون إرسال الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية إلى “كييف” لتمكينها من مواصلة الضغط، لكن “سيظل استمرار العملية بالوقود والذخيرة والأفراد دون فقدان الزخم يمثل تحديًا”، لكنّ “وجود الكثير من الشركاء الخارجيين يجب أن يساعد”.
وقال “هودجز” إن “الروس لا يعانون فقط من مشاكل القوة البشرية ومشاكل الإرادة للقتال، ولكن أيضًا ليس لديهم أي أصدقاء، فالطائرات الإيرانية بدون طيار لن تفعل شيئًا على الإطلاق، أنا متشكك للغاية في التقارير التي تفيد بأن ذخيرة المدفعية الكورية الشمالية تأتي وتحدث فرقًا”.
وبحسب تقرير “واشنطن بوست”، فمن المحتمل أن يتحول تركيز الجيش الأوكراني إلى “خيرسون” المدينة المحتلة في جنوب “أوكرانيا”، حيث تدافع القوات الروسية عن رقعة ضعيفة من الأراضي على الجانب الشرقي من نهر “دنيبر”.
وقال محللون إن روسيا نقلت وحدات النخبة إلى المنطقة للدفاع عن الموقع، الأمر الذي سيجعل القتال صعبًا على الأوكرانيين.
ويرى “دارا ماسيكوت”، المحلل العسكري الروسي في شركة “راند كورب” أن “الشيء التالي الذي تريده روسيا هو التأكد من عدم انهيار الأمور في خيرسون”، مرجحًا أنه سيكون من الصعب جدًا عليهم التعافي من حادثتين سريعتين، وانهيار على التوالي”.
وأضاف “ماسيكوت” أن “الضغط المتزايد على موسكو، مع بدء تمرد المقاتلين الانفصاليين بالوكالة وانسحاب الوحدات العسكرية الروسية في بعض الحالات قبل الانخراط في القتال، يعود إلى الطريقة التعسفية للغاية التي أدارت بها روسيا قوتها القتالية”.
ووصف المسؤولون الأمريكيون الإخفاقات الروسية في شمال شرق أوكرانيا بأنها ليست سوى “مسألة وقت”، مع الأخذ في الاعتبار “فشل الكرملين المستمر منذ شهور في تنظيم وقيادة وتجهيز ودعم قواته في ساحة المعركة”، في مقابل “ترسانة أوكرانيا المتنامية من الأسلحة الغربية”.
ووفقًا لـ”مسؤول دفاعي أمريكي كبير” (تحدث شرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع) فقد كان الجيش الروسي “ممزقًا بكل أنواع الضعف التي لم تكن واضحة للقيادة وربما كان ينبغي أن تكون كذلك في بداية الغزو”، حيث “رأينا تصدعات في العناصر الرئيسية للجيش”.
وكلّف التراجع السريع حول “خاركيف” الروس أيضًا معدات مهمة سيكون من الصعب استبدالها، وفقًا للتقديرات الأولية من “يعقوب جانويسكي” المحلل العسكري والمساهم في مدونة Oryx للخسائر في المعدات، إذ فقدت روسيا 40 دبابة و 50 مركبة مشاة و 35 مركبة مدرعة وطائرتين نفاثتين.
وقدر المسؤولون الأمريكيون أن روسيا تكبدت ما يصل إلى 80 ألف جنديّ منذ شباط، بما في ذلك أكثر من 15 ألف حالة وفاة.
من جانبه؛ قدر فريق استخبارات الصراع الروسي مفتوح المصدر، الموجود الآن في “تبليسي” بـ”جورجيا”، الخسائر في المعدات والأفراد بأنها “وخيمة لدرجة أنه خفّض من القدرة القتالية للجيش الروسي في أوكرانيا من “قادر على الهجوم” إلى “قادر على الدفاع المحدود”.
كما كشفت “النجاحات الأوكرانية حول خاركيف عن ضعف فيلق الجيش الروسي الحادي عشر، على وجه الخصوص، ومقره في كالينينغراد، وفرقة دبابات الحرس الأولى المتمركزة خارج موسكو”.
وقال خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، “رسلان ليفيف”: “في السابق، لم نكن متأكدين من وجود المشكلات المعروفة لنا في القوات الروسية، والتي استخلصناها من عمليات الاعتراض، قائلين إن هناك نقصًا في معدات العمل أو إهمال القادة في الوحدات الفردية، ولكن اتضح الآن أن الفيلق الحادي عشر للجيش غير قادر تمامًا على الدفاع عن خط المواجهة”.
وأوضح “ليفييف” أن الهجوم الأوكراني “كشف أيضًا عن كسر الهيكل التنظيمي لجيش الدبابات الأول تمامًا بسبب عدد كبير من القتلى والمشاركة المطولة في الأعمال العدائية”، مضيفًا أن “خسارة هذين التشكيلين هي خسارة كبيرة للجيش الروسي”.
كما أكد أن “روسيا لم تعد لديها القدرة على استعادة المواقع التي فقدتها لأوكرانيا” ، لكن تقديرات أخرى “أشارت إلى أن روسيا قد لا تزال قادرة على الدفاع عن مواقعها الحالية حول “خيرسون” “، وفقًا للصحيفة.
وكانت الخسائر اﻷخيرة التي مني بها الجيش الروسي قد أثارت موجات من السخط والانتقادات ضدّ بوتين داخل البلاد، حتى في صفوف مؤيّديه ومناصري الغزو على أوكرانيا.