يشتكي العاملون في مجالي التعليم والتربية شمالَ غربي البلاد، من تراجع اﻷوضاع العامة لهذا القطاع، فيما تشير التقديرات إلى واقع صادم بشأن نسبة الأمية المنتشرة بين اﻷطفال، في ظل عدم وجود خطة أو إجراءات من قبل الجهات المانحة لإيجاد حلول.
يؤكد “غسان كورج” مدير “معهد عندان” في ريف حلب لإعداد المدرسين، وهو خبير في المجال التربوي، في حديثه لموقع “حلب اليوم” أن ضعف الرواتب المقدّمة للمعلمين والعاملين في قطاعي التربية والتعليم، يُعد عاملاً سلبياً وسبباً أساسياً في اﻹشكالات المحيطة بهذا الحقل، مرجعاً ذلك إلى “عدم وجود دعم مستمر يستند إلى موارد ومصادر تمويل دائمة”.
كما انتقد “عدم اعتبار التعليم أولوية من قبل المانحين”، وغياب “وجود نظام سلم رواتب يراعي المؤهلات والخبرة وعدد أفراد الأسرة”، في مناطق الشمال الغربي.
وحول الاتهامات التي تُوجّه للمنظمات الإنسانية العاملة بالمنطقة، بتعمّد إضعاف القطاع التعليمي في الشمال المحرر، رآى “كورج” أن “من يتعمد اﻹهمال هم المانحون، أما المنظمات فهي جهات منفذة”.
وكانت منظمة وحدة تنسيق الدعم “ACU” قد أعدت في آذار الماضي دراسة بالتشارك مع 22 منظمة عاملة شمال غرب سوريا، حول واقع المدارس في المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام، أكدت فيها أن نحو 11% من المدارس ما يزال خارجاً عن الخدمة؛ معظمها يتركز في منطقة أريحا بريف إدلب الجنوبي.
وبلغ عدد الأطفال الذين لم يلتحقوا بصفوف التعليم 518,815 طفلاً من أصل 450,835,1 شملتهم الدراسة، أي أن ما يعادل 44% من أطفال المنطقة هم خارج العملية التعليمية.
معاناة المعلمين
يروي أحد مدرّسي اللغة اﻹنكليزية “أمجد ف”، في ريف حلب لموقع “حلب اليوم” كيف أن راتبه الهزيل لا يكفي لسدّ أيّ من احتياجاته على اﻹطلاق، فهو بالكاد يعادل اﻹيجار الشهري لمنزله مع تسديد فواتير الكهرباء و”اﻹنترنت”، كما أنه يُضطر للانتقال يومياً من مكان سكنه إلى المدرسة على متن دراجته النارية لمسافة 15 كيلومتراً.
وبعد سنوات من المعاناة في مجال التعليم وجد “أمجد” نفسه مضطراً في النهاية أمام هذه الضغوط إلى ترك التدريس والبحث عن أعمالٍ حرّة.
أمّا المُدرس “محمود ق”، وهو نازح في مدينة إدلب، ومختص في اللغة اﻹنكليزية أيضاً، فقد وجد في الدروس الخصوصية بديلاً جيداً عن انتظار رواتب المانحين، فبعد أن اشتُهر بين طلابه عمَد إلى التعليم الخاص وتحقيق أرباح معقولة، وهو ما لا يتسنّ للجميع وفقاً لما أكده.
ويشير المعلم “محمود” إلى أنه لا يحبّذ فكرة الدروس الخصوصية، لكنّه في النهاية مضطر إلى البحث عن دخل يلبي احتياجات أسرته وأهله، في ظل اﻷوضاع الاقتصادية الصعبة بالمنطقة.
ورغم كلّ العوامل الضاغطة على الطلاب والمدرسين في الشمال المحرّر، يرى “كورج” أن أداء المؤسسات التعليمية في ظل الوضع الحالي لا يزال أفضل مما كانت عليه تحت سلطة النظام “من ناحية النوع في المدارس المدعومة”، لكنه “أسوأ من ناحية الامتداد والكم، فما يزال آلاف المعلمين يعملون تطوعاً”.
ماهي الحلول؟
وحول أبرز مطالب العاملين في القطاع التعليمي للنهوض بواقعه الصعب، فقد لفت مدير “معهد عندان” لإعداد المدرسين، أنه من الواجب رفع الرواتب لما يناسب الوضع المعيشي؛ بحد أدنى يبلغ 300$، مع وجود سلم رواتب واضح وموحّد في التعليم تتبناه كل المنظمات.
كما أكّد على ضرورة تأمين ضمان صحي للمعلم على شكل تعويض مادي أو تأمين الدواء والعلاج المجاني في قطاع الصحة، واستمرار دفع جزء من الراتب لمن تحيله التربية إلى التقاعد.
وأشار إلى أهمية دعم التعليم الثانوي والمهني، في ظل إهمال هذا القطاع الذي يُشكل ركناً أساسياً في دعم الصناعة واﻹنتاج ﻷي بلد.
وختاماً فإن التعليم في سوريا عانى طويلاً منذ وصول نظام اﻷسد إلى السلطة، كنتيجة ثانوية لمنهجيته وممارساته، لكنّ أوضاع التعليم تفاقمت مؤخراً حيث يوجد في عموم البلاد أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، أي أكثر من نصف أطفال سوريا، منهم 40 بالمئة تقريباً من الفتيات، وفقاً لتقديرات منظمة “يونيسيف” لعام 2021.