ما تزال ظاهرة الهجرة في سوريا حاضرةً بقوة بعد مضيّ أكثر من أحد عشر عاماً على انطلاق الثورة، حيث باتت مغادرة البلاد الخيار الوحيد أمام كثير من الشباب المحاطين بضغوط اقتصادية كبيرة وسط ركود وقلة أو انعدام في فرص العمل وضعف مستوى الدخل وارتفاع معدلات الفقر.
يقول الشاب “م . ع” لقناة “حلب اليوم” إنه غامر بكلّ شيء في سبيل الوصول إلى اﻷراضي اﻷوروبية، فقد باتت خيارَه الوحيد بعد محاولاتٍ ومحاولاتٍ وتعبٍ بلا طائل، حيث عاش لسنوات في مدينته “كفرنبل” بريف إدلب الجنوبي يكافح لعمل مشروع صغير قبل أن تجتاح قوات اﻷسد المنطقة ويجدَ نفسه لاجئاً في مدينة إدلب.
يضيف الشاب أنه كافح مجدداً لما يقرب من عامين في ظروف النزوح، ومع كل يوم يضعف أمله في العودة، أو حتى إنجاز أي مشروع، متسائلاً متى سيكون بإمكانه أن يتزوّج وقد تجاوز الثلاثين وما يزال غير قادر على تأسيس عائلة؟!.
وفي ظل غياب اﻹحصاءات الدقيقة، فإنه من غير الممكن معرفة الأرقام الدقيقة حول معدلات الهجرة، لكنّ تقارير إعلامية تتحدث عن ارتفاعها خلال الفترة اﻷخيرة، ليس فقط من مناطق سيطرة النظام و”قسد” والشمال المحرر، بل أيضاً من تركيا وفي أوساط اﻷتراك أنفسهم.
وتؤكّد بيانات المكتب الإحصائي الأوروبي (يوروستات) أن طلبات اللجوء الى دول الاتحاد من قِبل المواطنين الأتراك ارتفعت بنسبة 45% في عام 2021 مقارنة بعام 2020.
وفي تقرير سابق أكد مكتب “يوروستات” أن عدد الأتراك طالبي اللجوء إلى بلدان الاتحاد الأوروبي شهد ارتفاعاً غير مسبوق بنسبة 506 في المئة بين عامي 2015 و 2021.
ومع تراجع الوضع الاقتصادي التركي كان الشمال السوري المحرّر هو اﻷشدّ تأثراً واﻷكثر ضعفاً، حيث وقع شبانُه تحت وطأة الضغوط الكبيرة، وتؤكّد أرقام فريق “منسقو استجابة سوريا” أن هناك تراجعاً مستمراً في القدرة الشرائية للمدنيين شمال غربي سوريا، أدى لتزايد نسب خط الفقر، حيث أن مئات العائلات انحدرت خلال الفترة الماضية إلى ما دون حد الفقر الأساسي، مع ارتفاعه إلى مستويات جديدة بنسبة 2.4%، مما يرفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 86.4 بالمئة، حتى بداية شهر تموز الماضي.
وأوضح الفريق أن حد الفقر المعترف به، ارتفع إلى قيمة 3,875 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع، ارتفع إلى قيمة 2580 ليرة تركية، مع زيادة حد الجوع إلى مستوى جديد بنسبة 1.6% مما يرفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 37.6%، كما ازداد العجز الأساسي لعمليات الاستجابة الإنسانية للمنظمات بنسبة 9% – وفقاً للتقرير – ليصل إلى نسبة 53.3 % بشكل إجمالي، حيث أن الحدود الدنيا للأجور لازالت على حالها رغم تراجع سعر صرف الليرة التركية.
ماذا عن مناطق سيطرة النظام؟
وفي مناطق سيطرة النظام يعاني السوريون أيضاً من عوامل ضغط اقتصادية شديدة ماتزال تدفع الشبان للهجرة فضلاً عن الهرب من التجنيد اﻹلزامي.
وكان المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء في حكومة النظام وأستاذ كلية الاقتصاد بجامعة دمشق “شفيق عربش” أعلن منذ أيام، بلوغ نسبة الفقر بمناطق سيطرة النظام 93 بالمئة؛ موضحاً أن الفقراء ضمن هذه النسبة موزعون على فئتين: اﻷولى تعاني فقراً متوسطاً والثانية تعاني الفقر المُدقع.
وأوضح أن معدلات الفقر في مناطق سيطرة النظام بلغت حدّها اﻷعلى، و”لا يمكن للفقر في سوريا أن يزداد أكثر من ذلك”، منوهاً أن المجتمع مقسوم إلى قسمين، وأن الطبقة المتوسطة “اختفت تقريباً من المجتمع السوري”.
خطّان للهروب من سوريا نحو أوروبا والتكاليف باهظة
وينطلق من سوريا خطّان رئيسيان للهروب نحو أوروبا، اﻷول من الشمال ثم تركيا ثم بحر “إيجة” فاليونان، والثاني يبدأ من الساحل السوري نحو جزيرة قبرص، والتي تغص مخيماتها بعشرات آلاف اللاجئين، وتطالب الدول اﻷوروبية – حالُها حال اليونان – بمساعدتها في مواجهة اﻷزمة.
يؤكّد “م . ع” أن التكاليف الكبيرة نسبياً للوصول إلى أوروبا، هي فقط ما يحول دون حصول “هجرة جماعية” موضحاً أنه استدان ما يقرب من 17 ألف دولار أمريكي؛ بالكاد أوصلته إلى اﻷراضي البلجيكية، حيث يقيم هناك في “كامب” ولا يدري أيضاً ما هو المستقبل الذي سيكون في انتظاره.
من جانبه؛ ذكر “ح . ح” الذي عمل في “تهريب البشر”، أنها كانت منذ سنوات تجارة رائجة جداً و “ما تزال كذلك”، حيث أكد أن عمله لمدة سنتين في هذا المجال كان كفيلاً بتأمين مبلغ كبير استطاع من خلاله إنشاء شركة صرافة وحوالات، حيث يرى أن البلاد باتت تعيش بالاعتماد على الخارج ويقول: “إما أن تهاجر إلى أوروبا، أو تأتيك الحوالات من ذويك في أوروبا كي تعيش.. البلد دُمرت وانتهت”.
وقال الطالب “م . خ” إنه لو لم يخرج إلى أوروبا منذ سنوات، لما استطاع معالجة إصابته البليغة التي سببت تهتكاً في مفصل الحوض لديه، كما أنه استطاع استكمال دراسته في مجال الكيمياء والحصول على “ماجستير”، حيث يتوقع اليوم أن يكون في انتظاره عمل جيد.
دول الجوار السوري تسعى لإعادة اللاجئين رغم بقاء نظام الأسد
وبدأت دول الجوار السوري تتحدّث عن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم رغم بقاء نظام اﻷسد، وبدون تحقيق حلّ سياسيّ، حيث يعيش اﻵن نحو مليون ونصف المليون سوري رعباً حقيقياً – وفقاً لتقرير أعده تلفزيون DW – من إعلان الحكومة عزمها إعادتهم بموجب اتفاق مع النظام، كما تتحدث الحكومة التركية عن عزمها إعادة العلاقات مع نظام اﻷسد، وإعادة كافة السوريين المقيمين على أراضيها.
ويعاني النظام من تراجع قدرته على تأمين أساسيات العيش بشكل مستمر، حيث وصل فشله الحكومي إلى العجز عن تأمين الماء والخبز للسكان، فيما يجري الحديث عن إعادة الملايين، اﻷمر الذي يضعنا أمام تساؤل كبير حول ما الذي تفكّر فيه الدول المعنية بملف اللاجئين؟!