هل سنعود و متى؟ أسئلة عاشها أهالي مدينة حلب قبل خمس سنوات عند صعودهم في الباصات الخضراء، التي كانت عنوان التهجير في سوريا، بعد أن استهدفهم النظام وحليفيه الروسي والإيراني بجميع أنواع الأسلحة.
“راجعين يا حلب” جملةٌ كتبها ثائر من حلب على جدران الأبنية المدمرة في الساعات الأخيرة، قبل انطلاقه في رحلة التهجير من حلب إلى المجهول، وهي اليوم تعود إلى مسامعنا لكنها تحمل الشرط الرئيسي للعودة إلى حلب.. “راجعين بلا أسد”.
انتشرت حملة “راجعين بلا أسد” خلال اليومين الفائتين على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامناً مع ذكرى تهجير حلب، وعن الهدف منها يقول “وسيم الحاج” أحد منسقي الحملة لحلب اليوم: “تهدف الحملة إلى التذكير بمأساة تهجير أهالي مدينة حلب، واحدة من أعرق وأقدم مدن العالم، ولإظهار إجرام النظام في ممارسة سياسة القتل والحصار والتجويع ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وفشل المجتمع الدولي في حماية أكثر من ٣٠٠ ألف مدني كانوا محاصرين في مدينة حلب.
يتابع “الحاج” نُصر على حقنا في العودة إلى بيوتنا بشكل طوعي وكريم، هذا الحق لا يسقطه إجرام الأسد وتغافل المجتمع الدولي، ونرفض أي عمليات للتطبيع مع النظام ولن نرضى بوجوده في أي تسوية سياسية.
عن أهمية هذه الحملة، يقول “الحاج” إن أهميتها تكمن في تذكير بعض الدول التي تحاول التطبيع مع نظام الأسد، فلا يمكن القبول بنظام قتل عشرات الآلاف من شعبه بأسلحة كيميائية محرمة دولياً، موثقة في تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وقتل أكثر من مليون سوري بالبراميل والصواريخ، كما هجر أكثر من ١٢ مليون مدني، ولا ننسى عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسراً.
ذكريات الأسبوع الأخير في حلب
يروي لنا “وسيم الحاج” ذكرياته قبل الخروج من حلب: “كنت مسؤول عن فريق عمل رائع، كنا أخوة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يجمعنا منزل قريب من باب الحديد، منزل يتكلم بكل تفاصيله عن حلب وتراثها وعراقتها وطربها وطعامها، يومياً بعد صلاة الصبح لا أستطيع النوم إلا بعد أن تأتي طائرات النظام لتلقي مخصصاتها اليومية من البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين في باب الحديد وقاضي عسكر وما حولها، كان البيت الذي نقطنه قريب من جبهات النظام، مما يجعل احتمالية سقوط البرميل علينا منخفضة، لكن أحياناً تهوي البرميل بالقرب منا مما يؤدي إلى أضرار مادية.
هشام اسكيف ناشط وكاتب سوري يتحدث لـ حلب اليوم عن آخر ذكرياته في حلب:
“الليلة الأخيرة التي قضيناها في حلب، أُقرت هدنة وقُرر تهجيرنا، حيث قرر النظام إبادة أكبر عدد من المدنيين قبل بدء الهدنة، و قصفنا بكافة الأسلحة من قصف مدفعي و بالبراميل المتفجرة حتى أصبحنا ندعي فقط أن يأتي الصباح حتى تبدأ الهدنة.”
أما اللحظة الأخرى، هي لحظة إنزال الحقائب من المنزل، أذكر أني كررت الدخول والخروج إلى بيتي، في محاولة مني لتذكر الأشياء، ولكن في الحقيقة ليس هذا هو السبب الرئيسي بل كنت أتفقد جدران منزلي التي تحمل ذكرياتنا من فرح وحزن.
يتابع “سكيف” أذكر عند خروجنا واجهنا ارتباكاً شديداً، فحاولت أن أبكي ولكن لم أستطع، كانت مشاعري مختلطة، هل يجب علينا أن نفرح بسبب خروجنا من تحت القذائف، أم نحزن لخلعنا من جذورنا و تهجيرنا.
ويختم “سكيف” حديثه وكأن لسان حاله يروي حال الكثير من السوريين: “لدي إيمان راسخ بالعودة إلى حلب، لأنه حق من حقوقي في العودة إلى بيتي وعائلتي التي نشأت بينها، إلى ذكريات طفولتي.. لو كانت الجدران تتكلم لبكت على فقدان أبنائها.”
حلب اليوم – سليم قباني