المساعدات الأممية في سوريا ودخولها عبر المعابر البرية بين تركيا وسوريا، تثير مخاوف أهالي الشمال السوري المحرر والمنظمات المحلية والمجتمع الدولي، وسط تحذيرات شديدة من حدوث مجاعة في المنطقة، في حال إغلاق معبر باب الهوى الحدودي، وهيمنة نظام الأسد على ملف المساعدات الأممية الإنسانية.
المساعدات الأممية في سوريا.. إنسانية أم سياسية؟
تتركز المخاوف حيال ملف تدفق المساعدات الأممية عبر الحدود التركية إلى سوريا، من تفرد النظام عبر المنظمات التابعة له أو المتعاونة معه، بالتحكم بجميع المساعدات الأممية المقدمة إلى الشعب السوري، بما فيها الممنوحة إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، والمُقدّرة بثلث مساحة سوريا على الأقل.
وفي سياق المستجدات الأخيرة في القضية، قرر مجلس الأمن الدولي قبل أشهر، السماح بتمديد آلية إيصال المساعدات الأممية الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا من المعبر الحدودي مع تركيا “باب الهوى” لمدة عام كامل.
ولطرح مستجدات الملف، عقد مجلس الأمن اجتماعاً يوم الجمعة الفائت منتصف الشهر الجاري، شارك فيه 9 دول منها 5 دول دائمة العضوية وهي: (روسيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا)، ومن الضروري معرفة أن صدور أي قرارات حول ذلك يستلزم موافقة هذه الدول الخمس حسب المصالح المشتركة فيما بينهم.
المجلس أكد في اجتماعه على أن دخول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا مدة عام سينتهي في 10 تموز 2022، وذلك بحسب الرؤية الأمريكية للقرار، في حين تقول روسيا إن قرار تمديد المساعدات الأممية مرتبط بتصويت جديد بعد مضي 6 أشهر على التمديد، وهو مبني على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في نهاية العام الحالي، وأن يكون القرار مبني على الشفافية في إيصال المساعدات الأممية عبر خطوط النزاع والاستجابة للحالات الانسانية الطارئة، وفق قولها.
سير عمل المساعدات الأممية ومطامع النظام وروسيا في الملف
وبحسب تصريحات مجلس الأمن، فقد عبرت خلال يومي 10-11 من تشرين الثاني الجاري قافلة ضمن ما يعرف بآلية تمرير المساعدات الأممية عبر خطوط النزاع ” كروس لاين”، حيث دخلت القافلة الأولى المؤلفة من 15 شاحنة على دفعتين في 20-21 آب الماضي، بينما تتجه القافلة الحالية المؤلفة من 14 شاحنة نحو أهدافها (10 شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي و4 منها تابعة منها للأمم المتحدة “يونيسيف”).
وفي سياق مشابه، وبناءً على اجتماع الرئيس الروسي والأمريكي في جنيف وحسب المخرجات تبين أن روسيا لم تصل إلى مبتغاها في الحصول على نصف المساعدات الأممية حالياً، تمهيداً للحصول عليها بالكامل وإلغاء آلية إدخال المساعدات عبر الحدود مستقبلاً، حيث من المتوقع استخدام روسيا والصين حق “الفيتو” ضد دخول المساعدات عبر الحدود.
وخلال مقابلة مع قناة “NBC” الأمريكية، أوضح الرئيس الروسي أنه “بدعم روسيا استعادت دمشق (يقصد نظام الأسد) أكثر من 90% من أراضي البلاد، والآن يجب تنظيم إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل الناس بصرف النظر عن أي سياق سياسي”.
أما نظام الأسد فيرغب بتوزيع المساعدات الأممية عن طريق الهلال الأحمر الذي يعمل تحت إشرافه لتوزيع المساعدات في إدلب، مع سعيه لاستلام ملف المساعدات الأممية ورغبته في إزاحة جميع المنظمات الإنسانية التي تعمل في إدلب، واستخدام آلية الخطوط بدل الحدود، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة تدخلاً روسيا بشكل مباشر في عملها.
ابتزاز المعابر لوصول المساعدات الأممية
في تصريحات سابقة لها، أكدت مندوبة الولايات المتحدة “ليندا توماس – غرينفيلد” أن معبر”جيلوة غوزو”وهو معبر باب الهوى الحدودي التركي، هو أفضل خيار للمجتمع الدولي لوصول المساعدات إلى سوريا.
وقالت المندوبة إن الولايات المتحدة ستوفر تمويلاً من أجل السوريين قدره 200 مليون دولار، وضمنت إرسال المساعدات الأممية واللقاحات المضادة لفيروس كورونا والمستلزمات الطبية لإنهاء ما وصفته بـ”المأساة التي يعيشها السوريين”.
وعبّرت المندوبة بتصريحاتها الأخيرة خلال زيارتها معبر باب الهوى، عن خيبة أملها من القرارات التي تخص إيقاف المساعدات الأممية، وقالت إنه “لا يرقى إلى مستوى المعابر الثلاثة التي تسعى الولايات المتحدة لاستعادتها”، وأنه ينبغي إعادة فتح معبر ثاني من تركيا إلى شمال سوريا في باب السلامة، وأضافت: “الوضع مدمر وسيزداد سوءاً إذا لم نتحرك”.
وفي تصريح مشابه أعرب “ديفيد ميليباند” الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، عن ترحيبه بالجهود المبذولة لمواصلة وصول المساعدات إلى شمال غربي سوريا واستعادة عمليات التسليم إلى شمال شرقي البلاد.
وقال: “بسبب العنف.. أُجبر باب الهوى على الإغلاق.. وإغلاقه يهدد ملايين من حياة السوريين“، ودعا مجلس الأمن إلى زيادة عدد نقاط عبور المساعدات.
كما أتهم “ديفيد” الرئيس الروسي والمانحيين الغربيين الذين يقدمون المساعدات الإنسانية لسوريا، بـ”الابتزاز”، من خلال التهديد بقطع التمويل والمساعدات الإنسانية لسوريا إذا لم تخدم مصالحهم في معبر باب الهوى.
ما هي السيناريوهات المحتملة؟
1- بقاء معبر باب الهوى مفتوحاً، وذلك تحت ضغط سياسي على روسيا والصين ومفاوضات معهما من قبل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، كون موسكو وبكين هما صاحبتا “الفيتو” الداعم لنظام الأسد بما في ذلك ملف المساعدات.
2- إغلاق المعبر الحدودي المتبقي مع تركيا، وتحويل إدخال المساعدات الأممية إلى دول أخرى ذات معابر حدودية مع سوريا، وصاحب النصيب الأكبر هو الأردن بسبب استقراره وتطبيعه مؤخراً مع النظام، مقارنة بالعراق الذي يعتبر مضطرباً وتحت خط النار، ولبنان غير المستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
3- توجه الأمم المتحدة إلى سوريا وفتح المكاتب الأممية مباشرة في دمشق رسمياً وبدون دولة وسيطة، وهو ما سيُعتبر تطبيعاً أممياً عالي المستوى مع نظام الأسد ودعماً مباشراً له.