حلب اليوم – إبراهيم الحريري
لم يبدأ السوريون ثورتهم ضد النظام كحراك سياسي أو عسكري، إلا أن المتغيرات أجبرتهم على دخول الجناحين.
في 2011 ومع بداية الحراك الشعبي السلمي، بدأ ظهور التنسيقيات التي شكلتها الفئة المثقفة المنخرطة بالحراك في الداخل السوري.
خارج الحدود، وربما لصعوبة الحراك السياسي داخلها، كان ثمة تجمعات لمعارضين سوريين، بهدف بدء حراك سياسي، تمثلت أولاها بمؤتمر أنطاليا بتركيا، عقب خمسين يوما من بدء المظاهرات، تلاه مؤتمر الإنقاذ الوطني.
المجلس الوطني أول الكيانات السياسية التي تشكلت عام 2011، لتخدم مطالب شعبية، بدعم من مجموعة أصدقاء سوريا، الممثلة لعشرات الدول العربية والغربية، حظي حينها المجلس بالتأييد الشعبي.
حظي الملف السياسي باعترافات دولية واسعة بالتزامن مع توسع المظاهرات
مع تمدد المظاهرات على الأرض، زادت الحاجة للتمثيل 7السياسي بشكل موسع، ونتيجة لضغوط داخلية وخارجية، شُكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة 2012، ضم مجموعة من شخصيات المجلس الوطني، وحظي بتأييد دولي أوسع، انعكس بتمثيل سوريا في القمة العربية 2013 بعلم الثورة وجسمها السياسي الجديد.
في أوج قوتها، بدأت المعارضة رحلتها السياسية من جنيف، تزامنت مع اعتماد الأمم المتحدة للقرار 2254، وهو مشروع قرار أمريكي لحل الأزمة في سوريا صادقت عليه موسكو وحملته المعارضة كعنوان لمرحلتها القاضية برحيل النظام وفق تطلعات المعارضة، إلا أن ثمة متغيرات ميدانية طرأت، جعلت فيما يبدو روسيا تقرأ القرار من جديد، وتعيد شرحه برؤية موسكو، التي بدأ نفوذها يتوسع على الأرض إبان تدخلها العسكري 2015.
بدأت اللقاءات بين المعارضة والنظام في جنيف، وبدا رياض واحد استمراراً لخط مقررات جنيف التي تمثلت حينها بهيئة تفاوض، أفرزت لجنة التفاوض السورية، بشخصيات لقيت قبولا شعبيا كرياض حجاب وأسعد الزعبي.
تدخل روسيا العسكري عام 2015 تبعه تدخل في الملف السياسي بأثر سلبي
روسيا التي أصبحت معنية بالشأن السوري على إثر تدخلها العسكري، لم تحمل ملف النظام وحسب، بل حاولت التأثير في تشكيلات المعارضة، من خلال رعاية المفاوضات والتواصل مع شخصيات تقول إنها مُعارِضة.
تحول المشهد في رياض كلياً إلى ثقب أسود وحلقة مفرغة، حوّلت المسار السياسي في سوريا برضى أو غير رضى المعارضة، ومزقت الجسم السياسي للمعارضة، إذ تزامن المؤتمر مع اجتماعات أستانا الممثلة للفصائل العسكرية، تبعته مباحثات سوتشي التي أقرت بها دول إقليمية مؤثرة، في ذات الوقت دخلت منصتا موسكو والقاهرة كجزء رئيس في جسم المعارضة، تحولات سياسية ترافقت مع تمدد عسكري للنظام، انعكس على خط المفاوضات المتصاعد، وحوّله إلى خط منحدر.
رفع النظام حينها من وتيرة القصف ومستوى الشروط بتوجيه روسي، وتشكلت الضغوط على وفد المعارضة، الذي انسحب من المفاوضات، رافضا المستجدات التي اعتبرها حينها انقلابا على مبادئ الثورة.
غاب رياض حجاب و أسعد الزعبي، وبرز نصر الحريري كشخصية توافقية في أحرج منعطفات التفاوض مع النظام، قال حينها البعض إنه انقلب على حجاب والزعبي، فيما اعتبر آخرون أنه أنقذ الملف السياسي الذي كادت تمسك به شخصيات أقرب للنظام من المعارضة، غير أن المتفق عليه أن وجوده كان في وقت لم يشهد فيه الملف السياسي أي قرار إيجابي مكتسب.. قبلت روسيا واستمر التفاوض بشعارات ثورية ومضون لم يخل من احتجاج شعبي.
22نقلت روسيا الملف السياسي من حل شامل إلى ملف تفاوضي مجتزأ، واستطاعت فرض إرادتها سياسيا، عقب انفرادها العسكري في سوريا كقوة عظمى، انفردت بمواجهة شعب ثائر.
خسرت المعارضة السياسية شعبيتها لدى السوريين وقوتها لدى الدول المعنية
تراجعت شعبية المعارضة، وبدأ الخلاف في الجسم السياسي يطفو فوق القبة الجامعة، إذ سبّب دخول منصتي القاهرة وموسكو24 جدلا في أوساطها، وأثار تساؤلات عن أصل انتماء شخصيات في الكيان السياسي الجديد للثورة، وهو ما زاد الشرخ.
مررت روسيا اجتماع سوتشي، الذي قاطعته الولايات المتحدة ورضيت به تركيا وإيران.
ضاعت البوصلة بشكل كامل، في ذات الوقت كانت روسيا تسيطر على مناطق المعارضة، التي قسمتها كمناطق خفض تصعيد، واحدة تلو الأخرى، من حمص الى حلب الغوطة داريا ودرعا، وذلك وسط صمت أو ربما رضى أمريكي على عهد ترمب.
استفاق الائتلاف وهيئة التفاوض على بقايا حلم، وبدأ من جديد يعيد تمسكه بقرار الأمم المتحدة 2254، الذي تتفق الدول المعنية عليه وتختلف في بنوده، ويخوض رحلة جديدة في اللجنة الدستورية، التي وصفت منذ بدايتها بأنها ورقة لكسب الوقت من قبل النظام.
مع تراجع المعارضة على الأرض والاخفاقات السياسية، بدأت الأجسام السياسية للمعارضة تفقد القرار، وتحولت المفاوضات بشكل علني إلى محادثات بين الدول الداعمة للأطراف، واقتصرت دراية المعارضة في بعض القرارات السياسية، على رسائل واتساب، تبلغهم بضرورة التنفيذ والدعاء بالتوفيق، تماما كما حدث مع الجبهة الجنوبية 2018.
ظهرت لغة التخوين في أوساط المعارضة والسوريين عقب التراجع وفقدان الأرض
وجهات النظر انقسمت، بين من يقول إن أخطاء المعارضة، والتي اعترفت بها، لم تكن مقصودة بقدر أنها نتاج لمناخ دولي متغير، وجغرافيا ضاقت على النازحين والعسكر، وأضعفت السياسيين، وأحرجت الحلفاء، فيما ظهرت لغة جديدة بين الأوساط المعارضة تتهم بعضها البعض بالخيانة، في هذا الوقت كان الألم قد بلغ حد الصمت لدى المدنيين، الذين نقلتهم روسيا بالباصات الخضراء، إلى ما تبقى من مناطق النفوذ التركي.
الائتلاف الذي تحول من أوج قوته في تمثيل سوريا في الجامعة العربية، تقلص وتراجع مع الأرض السورية، شهد قبل أيام اخر تصفيات، بإخراج ممثلين عسكريين لم يبق لهم وجود على الأرض.
إلا أن ثمة ما يلوح في الافق، يظهر رياض حجاب ويقول إنه لن يكون في جسم لا يخدم مطالب الثورة، غير أنه لم يهاجم من بقي حين انسحب، ظهور حجاب يتزامن مع تصاعد وتيرة التصريحات الدولية تجاه الملف السوري، عقب تسلم بايدن الديمقراطي زمام أمور أمريكا، وإلغاء كل قرارات ترامب، أمر أرّق بلا شك باقي الأطراف، التي تتسابق فيما يبدو لطرح رؤيتها، قبل أن يطرح بايدن رؤيته للحل في سوريا، والتي ربما تكون قراءة أمريكية للقرار 2254، قراءة ربما تكون كفيلة بإلقاء كل مخططات الروس في سلة مهملات السياسة، وقد تغيب معها أسماء وتظهر أسماء جديدة، تحاول من خلالها الإرادة الدولية كبح جماح الشعب، الذي لم تثنه عشر سنوات مرت عن حلمه الباقي إلى الأبد.