يستمر نظام الأسد بشن حملة دهم واعتقالات متواصلة، تنفذها استخباراته وأجهزته الأمنية وحواجزه العسكرية في مناطق متفرقة من ريف دمشق، وطالت الاعتقالات عشرات المطلوبين من أبناء المنطقة، حيث تم توثيق اعتقال نحو 650 شخصاً منذ مطلع العام 2020، بينهم عدد من عناصر التسويات والمطلوبين للخدمة العسكرية، إضافة لنساء بتهم التواصل مع مطلوبين في الشمال السوري.
فيما شهدت مدينة الضمير بريف دمشق مواجهات بين الفرقة الرابعة وعناصر يتبعون لها، أثناء محاولتهم الانشقاق عنها في 15 حزيران، ما استدعى قيادة الفرقة لجلب تعزيزات إضافية، تم على إثرها محاصرة المنشقين الـ8 وقتلهم جميعاً، وهم من أبناء المنطقة وكانوا وقّعوا على تسوية مع النظام عام 2018.
عمليات الهجوم على الحواجز في درعا تأخذ طابعاً آخر، فهي تكون برعاية الفيلق الخامس المدعوم روسياً وتتم بشكل علني، كان آخرها في 27 حزيران إذ اندلعت اشتباكات بين الفيلق الخامس التابع لروسيا وحاجز عسكري للنظام إثر خلاف نشب بين أحد أهالي البلدة وعناصر الحاجز في بلدة محجة شمالي درعا، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى من الطرفين، سبقه هجوم نفذه الفيلق الخامس بقيادة “أحمد العودة” في 25 حزيران الجاري، على حاجز في مدينة الحراك شرق درعا، إثر قيامه باعتقال شاب من أبناء المدينة، ليطلق سراحه بعد ذلك مباشرة.
هذا ونفذ مجهولون بتاريخ 21 حزيران الجاري، هجوماً على حاجز للأمن العسكري في مدينة عربين بالسكاكين والفؤوس، ما أدى لإصابة 4 من عناصر النظام أحدهم إصابته خطيرة، ليتم تعيين عميد من مرتبات الفرقة الرابعة كمسؤول عن الملف العسكري ويتم تعزيز المنطقة بعناصر الفرقة الرابعة وحواجزها.
روسيا تطالب الفرقة الرابعة بسحب حواجزها:
يأتي توسيع الفرقة الرابعة لنفوذها في عربين وبعض مناطق الغوطة، بالتزامن مع طلب تقدمت به روسيا، يهدف لسحب الفرقة الرابعة حواجزها من عموم البلاد وإعادتها لثكناته في العاصمة دمشق وريفها، ليحل عوضا عنها حواجز تتبع لعناصر المصالحات والأمن العسكري، إذ تحاول روسيا تحجيم دور الفرقة الرابعة التي تخضع للنفوذ الإيراني، و يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد.
ويبدو أن الطلب الروسي الذي تقدمت به لماهر الأسد، لاقى استجابة جزئية، حيث تم سحب حواجز الفرقة الرابعة من بعض المناطق كالقلمون الشرقي وبعض حواجزها على طريق مطار دمشق الدولي، إضافة لسحب حواجز أخرى كانت موجودة في الجهة المقابلة لمعبر “أبو كهف” الذي يربط مناطق النظام مع منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، ومن معبر “الطبقة” الذي يربط مناطق النظام مع محافظة الرقة من الجهة الجنوبية الغربية.
وفي درعا فالأمر مماثل، إذ أن على الفرقة الرابعة تقليص نفوذها في المنطقة، حيث أنه وبالاتفاق مع اللجنة المركزية في درعا، انسحبت قوات الغيث التابعة للفرقة الرابعة من بعض المناطق في ريف درعا الغربي كـ طفس سحم الجولان والمزيريب وحيط، لتحل محلها حواجز تضم أبناء المنطقة من عناصر المصالحات الذين انضموا مؤخراً للفرقة الرابعة.
وكانت المنطقة الغربية من درعا شهدت خلال الفترة الماضية انتشاراً كبيراً لقوات الغيث المقربة من إيران حيث ضاعفت الفرقة الرابعة حواجزها في الريف الغربي المحاذي لحدود الجولان السوري المحتل وعززتها بالجنود والعتاد، وضاعفت، وشمل التعزيز معبر نصيب مع الحدود الأردنية، فيما تعرضت عدة شخصيات معارضة للتمدد الإيراني في المنطقة لعمليات اغتيال.
وجاءت عملية الانتشار وتعزيز مواقع الفرقة الرابعة في درعا قبل أن يتم سحب بعضها، بعد اجتماع جمع اللجنة المركزية في المحافظة مع ضباط في الفرقة الرابعة، أفضى إلى تعزيز حواجز الفرقة في الريف الغربي، على أن يتم استبدالهم فيما بعد بعناصر محليين من أبناء المنطقة بعد تلقّيهم تدريبات عسكرية في معسكر زيزون بقيادة ضباط من الفرقة الرابعة.
ماهر الأسد وروسيا:
أشار د. محمود حمزة المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي لحلب اليوم، لوجود صراع واضح بين الروس وشخص ماهر الأسد، وتحاول روسيا الضغط على الفرقة الرابعة وتحجيمها وإبعادها عن الحواجز، بسبب التقارب الكبير بين ماهر وإيران.
ويرى “حمزة” أن ماهر الأسد انسحب من بعض المناطق لكنه لن يخضع للروس بشكل كامل، وإنما سيكون هناك نوعاً من التوافقات فيما بينهم.
التنافس الروسي الإيراني:
أوضح د. محمود حمزة، أنه وبعد انتهاء العمليات العسكرية في معظم مناطق سوريا بدأت مرحلة التنافس الروسي الإيراني، لأن روسيا مهتمة بإعادة الإعمار وكسب تمويل له، ولذلك هي مهمومة بأمور أخرى تتعلق بنظام الأسد، وإيران واجنداتها منافسة تماما لروسيا ومعاكسة لها.
إذ أن هناك تنافساً روسياً إيرانياً لتوسيع النفوذ والتوسع في سوريا لضمان مصالح كل منهما، ولعلّ التنافس الظاهر بينهما في الجنوب السوري هو الأبرز، إذ تسعى روسيا لتقوية الفيلق الخامس في عموم سوريا وخصوصاً في درعا، عبر ضم أكبر قدر من أبناء المنطقة إليه، فيما تدعم إيران الفرقة الرابعة وتسعى جاهدة لبسط نفوذها في المنطقة عبر منح امتيازات للمنتسبين إليها.
وترتبط الفرقة الرابعة بعلاقات ومصالح متشابكة أيضاً مع «حزب الله» اللبناني المقرب من إيران، من بينها تقاسم السيطرة على اقتصاد الحرب والمنافذ الحدودية مع لبنان والأردن، والطرق الرئيسية لنقل البضائع من وإلى الموانئ السورية، وهو ما يفسر الإبقاء على حواجزها في الطريق الواصل بين دمشق والبادية السورية، وطريق دمشق بيروت إضافة لبعض الحواجز على طريق مطار دمشق، وهو ما ترفضه روسيا.
أما فيما يخص الجنوب السوري فأوضح “حمزة” أن مهمة روسيا الكبرى، هي إبعاد إيران عن حدود إسرائيل وحماية أمنها في سوريا، ويتجلى ذلك بتقليص نفوذ وامتداد الفرقة الرابعة الخاضعة مباشرة لإيران.
روسيا في سوريا وعلاقتها بأمريكا:
قال الخبير بالشأن الروسي د. محمود حمزة لحلب اليوم، إن مشكلة الروس الآن، ليست مع ماهر بقدر ما هي مع النظام ككل، فهم يريدون إجراء بعض التغييرات وإجراء ترتيبة سياسية معينة بمشاركة أمريكية ودور أمريكي قوي، حتى يحلوا مشكلة الجيش والأمن ومن سيحكم سوريا وكيف يرتبوا أوضاعهم مع إيران ومع ميليشياتها بما فيها الفرقة الرابعة.
ووفق “حمزة” فإنه من الصعب تقدير السياسة الروسية في المستقبل لما فيها من غموض، لكنها جادة في موضوع ايجاد ترتيب سياسي جديد معين، وهناك حملة إعلامية روسية قوية ضد النظام، حيث أن صحف روسية تناولت منذ فترة تصريحات وزير خارجية النظام وليد المعلم ووجهت له انتقادات كبيرة وكتبت الصحف الروسية: “يبدو أن المعلم يقيم في غير كوكب ولا يدرك أن الشعب جائع والوضع كارثي وهو يقول أنهم مستعدون لمساعدة ليبيا وأن الوضع في سوريا مستتب ومشكلة سوريا الحالية فقط في قانون قيصر”.
وأوضح أن الروس مستاؤون من بشار الأسد لكن بنفس الوقت هم يخافون من التخلي عنه لأنهم قد يخسرون كل شيء وبالتالي فهم يريدون اجراء تغييرات تدريجية بحيث إذا حصل تغيير سياسي معين يكون هناك بالمقابل مشاركة بإعادة الإعمار حتى بشكل موازي، مؤكداً أن خبيراً روسياً مطلعاً على الأمور كان قد صرح له بأنه من الممكن أن توافق روسيا على حل سياسي بشرط أن يكون هناك إعادة إعمار تدريجية (أول بأول) فهم يتخوفون من تغير سياسي وذهاب الأسد ويتم بعد ذلك إخراجهم من سوريا.
وتحاول روسيا الحفاظ على أمن المنطقة الجنوبية من سوريا لضمان أمن إسرائيل، بعد طلبٍ أمريكي سابق لها بضرورة إبعاد إيران عن حدود إسرائيل، وكان المبعوث الخاص الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، ذكرفي 2018 أن القوات الإيرانية الموجودة في سوريا مستقرة على بعد نحو 80 كيلو متر (50 ميلا) من الحدود الإسرائيلية.
وختم “حمزة” بالقول إن الأمور هي في تجاذبات بين روسيا وإيران والموالين لكلاهما، والصراع الآن في بداياته ولكنه سيزداد وفق تقديره، وسيكون الصراع على المستوى الأمني والعسكري وعلى مستوى الشركات الاقتصادية ومستويات مختلفة وستكون الكرة بملعب الأمريكان بحسب تعبيره.