أسماء السعيد – مصر
“الدنيا زي المرجيحة.. يوم تحت وفوق”، تذكرت كلمات هذه الأغنية الشعبية، بينما كنت أقرأ حول مرض ” الاضطراب ثنائي القطب ” أو “الاكتئاب الهوسي”، فهذا بالضبط ما يشعر به المريض، الذي يتقلب مزاجه بين نوبات ابتهاج وحماس مبالغ فيه غير طبيعي، ونوبات حزن شديد وكآبة وفقدان أمل.
يُعرف المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية “NIMH” في بحثٍ نشره، “الاضطراب ثنائي القطب” بأنه مرض خطير يصيب الدماغ، يُسمى أيضًا “هوس الاكتئاب”، يعاني فيه المريض من نوبات مزاجية حادة.
ففي بعض الأحيان يشعر بالسعادة الشديدة ويكون أكثر نشاطًا بصورة غير معتادة، وهذا ما يُسمى بنوبة “الهوس”، و في أحيان أخرى يشعر المريض الذين يعاني من “الاكتئاب الهوسي”، بالحزن الشديد و الطاقة لديه منخفضة، فيكون أقل نشاطًا عن ماهو معتاد، وهذا ما يُعرف بنوبة “الاكتئاب”.
فيكون منحني مزاج المريض متقلب بين الأعلى والأسفل بصورة مختلفة عن التغيرات المزاجية العادية، التي بمر بها الأشخاص الطبيعيون، فتقلبات المزاج تكون أكثر تطرفًا ، تصاحبها أعراض مثل اضطرابات النوم وعدم انتظامه، وانخفاض مستوى الطاقة، والقدرة على التفكير بوضوح.
ولشدة هذه الأعراض فيمكن أن تضر بعلاقات المريض، وتجعل من الصعب الذهاب إلى المدرسة، أو الحفاظ على وظيفة، كما تزداد خطورتها مع بعض المرضي الذين يحاولون إيذاء أنفسهم، أو يُقدمون على الانتحار.
لم يعرف الأطباء سبب محدد للاكتئاب الهوسي، هكذا يوضح “NIMH” مضيفاً أنه قد تساهم عدة أشياء في حدوث المرض، فقد تكون الجينات العائلية أحد العوامل، لأن الاضطراب الثنائي القطب يمكن أن يُورثه المريض لأحد أفراد أسرته، ومع ذلك، فمن المهم معرفة أنه ليس معنى وجود شخص ما في عائلتك لديه المرض، أنه بالضرورة سينتقل إلى أعضاء آخرين من الأسرة.
عاملٌ آخر قد يؤدي إلى اضطراب ثنائي القطب، هو بنية الدماغ لدى الشخص المريض، حيث يوضح موقع التأمين الصحي البريطاني “NHS”، أنه يُعتقد على نطاق واسع أن المرض هو نتيجة اختلالات في المواد الكيميائية المسؤولة عن السيطرة على وظائف الدماغ.
وتُسمى هذه المواد بالناقلات العصبية، التي تشمل النورادرينالين، والسيروتونين، والدوبامين، مضيفًا أن هناك بعض الأدلة على أنه إذا حدث خلل في مستويات واحد أو أكثر من الناقلات العصبية، يمكن أن تتطور بعض أعراض المرض لدى الشخص.
وعلى سبيل المثال، هناك أدلة على أن نوبات الهوس قد تحدث عندما تكون مستويات النورادرينالين مرتفعة جدًا، بينما نوبات الاكتئاب قد تكون نتيجة لانخفاض كبير في مستويات النورادرينالين.
أيضًا من العوامل التى قد تؤدي لحدوث أعراض المرض، مرورالشخص بأزمة عاطفية مثل انهيارعلاقة، أو تجربة فقدان أحد أفراد العائلة المقربين أو أحد أفراد أسرته، أو تعرضه للاعتداء الجسدي، أو الجنسي، أو العاطفي.
والاضطراب الثنائي القطب شائع إلى حد ما بين الرجال والنساء على حد سواء، ومن المتوقع إصابة حالة واحدة من كل 100 بالغ في مرحلة ما من حياتهم.
كما أنه يمكن حدوثه في أي سن، على الرغم من أنه غالبًا ما يصيب الأشخاص بين سن 15 و 19 عامًا، ونادرًا ما يُصيب شخص بعد سن 40.
ويصعُب تشخيص الاكتئلب الهوسي، فيمكن أن يعاني بعض الأشخاص من المرض لسنوات قبل تشخيصه، وذلك لأن الأعراض الثنائية القطب، قد تبدو مثل التغيرات المزاجية التي تحدث نتيجة لمشكلة ما، فقد تلاحظ العائلة والأصدقاء الأعراض، لكنهم لا يدركون أنها جزء من مشكلة أكبر، حتى الطبيب قد يعتقد أن الشخص لديه مرض مختلف، مثل الفصام أو الاكتئاب، نظرًا لتشابه أعراض الثنائي القطب مع أعراض تلك الأمراض.
كما أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب، غالبًا ما يعانون من مشاكل صحية أخرى، مثل تعاطي المخدرات، واضطرابات القلق، وأمراض الغدة الدرقية، وأمراض القلب، والبدانة، قد تجعل من الصعب على الأطباء التعرف على المرض.
حتى الآن، لا يوجد علاج للاضطراب ثنائي القطب، بحسب ما ذكر موقع (NIMH)، لكن العلاج المتاح حاليًا يمكن أن يساعد في السيطرة على أعراض تقلبات المزاج ومشاكل السلوك، والعلاج بصورة منتظمة يكون أفضل من العلاج الذي يبدأ ويتوقف.
وتشمل خيارات العلاج:
– العلاج بالأدوية التي يمكن أن تساعد في تحسين المزاج، مع ملاحظة أن المرضى يستجيبون للأدوية بطرق مختلفة، وبالتالي فإن نوع الدواء يعتمد على المريض، ففي بعض الأحيان يحتاج الشخص لتجربة عدة أدوية لمعرفة أيها يعمل بشكل أفضل، لكن الأدوية يمكن أن تكون لها آثار جانبية.
لذلك يجب على المرضى دائمًا أن يخبروا أطبائهم بهذه الأعراض، أيضًا لا يجب التوقف فجأة عن تناول الدواء دون استشارة الطبيب، حتى لا تتطور أعراض الاكتئاب الهوسي إلى الأسوأ.
– العلاج بالحديث مع مرضى الاكتئاب الهوسي، يمكن أن يساعدهم على تغيير سلوكهم وإدارة حياتهم، كما يساعد أيضًا في تحسين علاقاتهم مع العائلة والأصدقاء، و في بعض الأحيان يشمل العلاج أفراد الأسرة.
– هناك طرق أخرى للعلاج، حيث لا يحقق بعض الناس نتيجة أفضل مع العلاج بالدواء والعلاج الكلامي، فيلجأوا إلى تجربة العلاج الكهربائي، أو “ECT”، ويُسمى أحيانًا العلاج بالصدمة،حيث يعمل التيار الكهربائي السريع على ضبط وظائف المخ، وإعادة التوازن لمستويات المواد الكيميائية.