تقوم إسرائيل منذ تحرير سوريا بمنح ميليشيات الهجري دعماً سرياً شاملاً في جنوب سوريا، في إطار استراتيجية تهدف إلى منع قيام حكومة مركزية قوية في دمشق، وفقاً لتحقيق استقصائي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، اليوم الثلاثاء.
ويشمل هذا الدعم الذي كشفته التحقيقات الصحفية عدة أشكال، بدأ تنفيذها بعد تسعة أيام فقط من الإطاحة بالأسد في كانون الأول من عام 2024.
الشحنات العسكرية السرية
بدأ الدعم بعمليات إسقاط جوي ليلي في 17 كانون الأول 2024، حيث أسقطت مروحيات إسرائيلية شحنات تضمنت حوالي 500 بندقية، وذخائر، وسترات واقية من الرصاص، موجهة إلى ميليشيا تُعرف باسم “المجلس العسكري”.
وبالإضافة إلى السلاح، تقدم إسرائيل دعماً مالياً شهرياً لنحو 3000 مسلح، تتراوح قيمته بين 100 و200 دولار للمقاتل الواحد كما تواصل إرسال معدات غير قتالية مثل السترات الواقية والمستلزمات الطبية، حتى بعد تخفيض شحنات الأسلحة الثقيلة في آب 2025.
ووفقاً للتقرير يشمل الدعم أيضاً تدريباً عسكرياً سرياً لعناصر تابعة لحكمت الهجري، يركز على تنظيم الوحدات واستخدام الأسلحة الخفيفة وتأمين المناطق.
الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل والجهات المستفيدة
بحسب التحقيق فقد دفعت مخاوف أمنية وإستراتيجية إسرائيل إلى تقديم هذا الدعم، حيث ينظر الاحتلال إلى الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع والحكومة السورية بريبة عميقة، لذا ترى إسرائيل أن توحيده للبلاد قد يشكل تهديداً لأمنها القومي.
وتتمثل الاستراتيجية الشاملة لإسرائيل ضمان إضعاف الحكومة المركزية في دمشق، وعدم ظهور نظام حكم قوي موحد على حدودها الشمالية، ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن دعم قوى محلية مسلحة خارج سيطرة دمشق، مثل قوات الهجري، يحافظ على حالة من التفكك السياسي والأمني في جنوب سوريا، مما يقوض جهود الحكومة الجديدة في بسط سيطرتها.
ويعد الهجري الزعيم الروحي للدروز في سوريا، الشخصية المحورية في استقبال هذا الدعم، ويتمتع بتاريخ من المواقف المتقلبة، فقد أيد نظام الأسد في البداية قبل أن يتحول إلى معارض له، وهو الآن يعد أحد أبرز المنتقدين للحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع.
ورفض الهجري التوقيع على مذكرات تفاهم مع الحكومة المركزية، ويدعو إلى “حماية دولية للدروز”، ويرى أن الحديث عن تسليم السلاح “مبكر جداً”، كما أثار جدلاً واسعاً بتصريحه أن “إسرائيل ليست العدو”، بل توجه بالشكر لها في أكثر من مرة.
وشهد الدعم الإسرائيلي تطورات وتسبب في توترات مع أطراف إقليمية ودولية، وقد بلغ ذروته بعد اشتباكات ميليشيات الهجري والحكومة، لكن هذا الدعم بدأ بالتراجع لاحقاً، حيث أوقفت إسرائيل تدفق الأسلحة الثقيلة في آب 2025 مع تحولها نحو مسار تفاوضي حذر مع دمشق، وفق المصدر.
وبحسب الصحيفة فقد أدى دعم إسرائيل لقوى مناهضة لدمشق إلى خلافات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تراهن على إعادة الاستقرار لسوريا وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، فيما تبحث إسرائيل حالياً عن توازن دقيق، فقد جمدت نقاشات داخلية كانت تهدف إلى تحويل ميليشيات الهجري إلى “ميليشيا وكيلة” بشكل كامل، بسبب مخاوف من الانقسامات الداخلية بين الدروز ومخاطر التورط الأعمق في سوريا.
وبحسب مانقله التقرير عن مسؤول إسرائيلي، فإن التوجه الحالي هو “مراقبة تطور الأمور” مع الاستمرار في “الالتزام بأمن الأقليات”، دون الدخول في تنظيم ميليشيات بالوكالة أو إرسال قوات.





