في أجواء احتفالية مفعمة بالأمل ورفرفة الأعلام السورية، احتضنت مدينة حلب فعاليات إحياء الذكرى السنوية الأولى لتحريرها وأيضا تحرير سوريا، والتي كانت المحطة الأولى في سقوط النظام البائد قبل عام، وشكّل الاحتفال برنامجاً حافلاً جمع بين الخطاب الرسمي والسياسي، والفعاليات الفنية والثقافية والمجتمعية في مختلف أنحاء المدينة، وسط حضور شعبي كثيف.
وشهدت ساحة سعد الله الجابري وسط المدينة حشودا ضخمة، بالإضافة لقلعة حلب التاريخية، حيث زارها الرئيس أحمد الشرع منذ أيام، وألقى كلمة أمام حشد غفير من المواطنين وسط إجراءات أمنية مشددة.
وتزامنت احتفالات المدينة مع باقي المحافظات السورية، حيث تضمنت أحد أكبر العروض العسكرية منذ التحرير، واستعرض الجيش السوري مركبات قتالية ومدرعات وصواريخ تكتيكية وسط حضور جماهيري مع الاحتفالات الشعبية في الشوارع، وخروج الآلاف من الأهالي إلى ساحات المدينة رغم الظروف الجوية الباردة والممطرة.
يقول محمد أبو فراس بائع المواد الغذائية في حي السكري، إن من أهم ما تغير خلال عام على التحرير هو الاستقرار الأمني وتراجع انتشار السلاح العشوائي، مع تحسن الخدمات وساعات وصل الكهرباء وتلاشي طوابير الوقود والخبز، رغم استمرار بعض التحديات في شبكتي المياه والصرف الصحي.
ويشير الرجل الخمسيني إلى عودة الحياة الاقتصادية وعشرات المصانع للعمل في المناطق الصناعية التقليدية كالشيخ نجار، بفضل عودة الأمن والكهرباء والاستقرار، كما شهدت المدينة رجوع عشرات الآلاف من الأهالي المهجرين، خاصة من الأحياء الشرقية.
وجاب الأهالي شوارع حلب بمركباتهم المزينة بالأعلام، معبرين عن فرحتهم بما وصفه المشاركون بـ”عودة الأمل” بعد سنوات من الحرب والغربة.
كما ترافقت تلك الأجواء بفعاليات ثقافية وفنية وإحياء للتراث تزامناً مع ذكرى التحرير، حيث شهدت المدينة طيفاً متنوعاً من الفعاليات من معارض فنية مثل “يوم للتاريخ” في صالة اتحاد الفنانين التشكيليين، ومن أمسيات فنية وإبداعية أحيا خلالها شباب المدينة أمسية فنية بعنوان “روزانا” على مدرج النصر بجامعة حلب، ومبادرات مجتمعية مثل مبادرة “كنوز التراث الحلبي” لدعم صاحبات المشاريع التراثية، وذلك ضمن الحملة المجتمعية الواسعة “حلب ست الكل” الهادفة لإعادة إعمار المدينة.
يصف الشاب محمد زيدان المشهد العام بأنه مزيج من الفرح والأمل، حيث بات ينظر لمستقبله بشكل مختلف وبوصفه طالبا في كلية الهندسة فإنه يستقبل الأنباء المتواردة عن قرب دخول الاستثمارات والشركات العربية والأجنبية بمنظور إيجابي.
يروي الشاب كيف كان يفكر سابقا بمصيره أيام النظام البائد، إذ عليه ان يختار بين الهجرة بالقوارب المطاطية وركوب الخطر واللجوء أو الاستسلام للسوق إلى الخدمة الإلزامية، فيما سيكون مستقبله المهني معدوما في ظل غياب الفرص.
وقد غصت شوارع وأحياء حلب بالمواطنين الذين خرجوا للاحتفال. كما اندمجت الاحتفالات مع المسيرة الوطنية لسباق الدراجات “مسير التحرير” التي انطلقت من إدلب ووصلت إلى المدينة، كتعبير رمزي عن التواصل الوطني. وتزينت المدينة بالأعلام السورية، فيما تناقل الحاضرون مشاعر الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل بعد عقود من القمع.
ويرى مراقبون أن أهم دوافع الاحتفال على المستوى النفسي والاجتماعي، هو التغيير الإيجابي، فما حصل هذا العام لم يكن سياسياً فقط، بل نفسيا واجتماعيا، حيث أصبح الناس يتحدثون بحرية أكثر من أي وقت مضى بعد عقود من الخوف والمراقبة.
لم تكن احتفالات حلب مجرد استذكار ليوم انتصار عسكري، بل كانت احتفاءً بمرحلة جديدة من التاريخ، والإعلان عن بدء “معركة البناء” الحقيقية، والأمل بمستقبل أفضل.






