في مؤشر ملموس على التحول السكاني والاقتصادي الذي تشهده المنطقة بعد انتهاء الحرب في سوريا، تشكو مدينة غازي عنتاب التركية، القلب الصناعي للجنوب، من أزمة عمالة خانقة أدت إلى إغلاق أكثر من نصف ورش العمل في قطاع النسيج الحيوي للمدينة.
السبب المباشر، كما يوضح علي كومورجو، رئيس غرفة تجارة وصناعة غازي عنتاب للخياطة والأقمشة، هو عودة عشرات الآلاف من العمال السوريين إلى بلادهم بعد استقرار الأوضاع هناك، ويقول كومورجو: “كنا نلبي احتياجاتنا من العمالة الوسيطة بالسوريين، ومع عودتهم، ازداد هذا النقص بشكل كبير وأُغلق أكثر من 50% من ورش عملنا”.
خلل في الصناعة التركية
كان العمال السوريون، الذين وفدوا إلى تركيا هرباً من الحرب على مدى عقد من الزمن، يشكلون عصباً أساسياً في العديد من القطاعات، وخاصة الصناعات التي تعتمد على العمالة الماهرة والمتوسطة مثل النسيج والبناء والزراعة.
ويشير كومورجو إلى إشكالية هيكلية في سد هذه الفجوة، قائلاً: “نظام التعليم في بلدنا هو 4+4+4. في هذا النظام، يلتحق أطفالنا بالمدرسة حتى بلوغهم سن الثامنة عشرة، مما يُصعّب عليهم تعلم مهنة باكراً”، ورغم وجود مراكز التدريب المهني، إلا أنها “لا تُخرّج العدد المطلوب من الكوادر المتوسطة”.
عام صعب وآمال معلقة على الدبلوماسية
وصف رئيس الغرفة العام 2025 بأنه كان “عامًا راكدًا ومخيبًا للآمال” للاقتصاد المحلي، مع تراجع الإنتاج بسبب الإغلاقات، لكنه يربط أمل الانتعاش المستقبلي بشكل مباشر بالتطوير السياسي مع الجارة الجنوبية: “نعتقد أن الأمور ستتحسن مع تشكيل الحكومة السورية… نعتقد أن العمل الذي ستبذله حكومتنا مع الحكومة السورية في الفترة المقبلة سينعش التجارة في منطقتنا”.
تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العلاقات التركية-السورية تحسناً ملحوظاً، مع خطوات دبلوماسية مثل تعيين سفراء جدد واستعدادات لإعادة فتح القنصليات، مما يبعث الأمل في تعاون اقتصادي أوسع قد يعود بالنفع على كلا البلدين.
بالإضافة إلى أزمة العمالة، يسلط كومورجو الضوء على معوقات اقتصادية تركية داخلية تؤثر على القوة الشرائية والنشاط التجاري، قائلاً: “بالإضافة إلى الحد الأدنى للأجور، فإن انخفاض المعاشات التقاعدية وارتفاع تكاليف الوقود يؤثران بشكل كبير على الحياة الاجتماعية”.
ويضيف: “لقد واجهنا مشاكل انخفاض الأجور في عام 2025، فبدون دخل لا يستطيع الناس الإنفاق، لذلك يجب زيادة الأجور، فإذا زادت الأجور، ستسترخي الأسواق وتنتعش”.
رياح التغيير تعصف باقتصاد المنطقة
تمثل شكوى غازي عنتاب وجهاً من أوجه التحول الكبير الذي تشهده المنطقة بعد نهاية الحرب السورية، فبينما تسعى سوريا إلى إعادة إعمارها وتعويض الكفاءات المهاجرة، تواجه تركيا التي استضافت ملايين اللاجئين، تحدياً اقتصادياً مفاجئاً يتمثل في فراغ سوق العمل فجأة بعد اعتماد كبير على اليد العاملة السورية في قطاعات حيوية.
ويدعو كومورجو في ختام حديثه إلى الأمل، قائلاً: “نأمل أن نُسد هذه الفجوات لإنعاش التجارة… فليكن عام 2026 عامًا مليئًا بالأمل لجميع حرفيينا.. يبدو أن مستقبل ازدهار غازي عنتاب الصناعي أصبح مرتبطاً، أكثر من أي وقت مضى، بمدى نجاح التعافي الاقتصادي في سوريا وبقدرة السياسة على نسج علاقات جديدة تقوم على المصالح الاقتصادية المتبادلة”.






