في تطور يُعد الأهم منذ سنوات، أعلن صندوق النقد الدولي عن بدء “مرحلة تعاون مكثف” مع سوريا، وذلك خلال زيارة تاريخية لفريق من خبراء الصندوق إلى دمشق امتدت من 10 إلى 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، بهدف دعم جهود إعادة تأهيل الاقتصاد السوري والمؤسسات الاقتصادية الرئيسية بعد نحو عام على التحرير.
وركز بيان الصندوق، الذي أصدره رئيس البعثة رون فان رودن، على تقديم حزمة مساعدة فنية واسعة النطاق، دون الإشارة إلى أي مناقشات حول منح مساعدات مالية مباشرة لسوريا، وجاء في البيان أن “الاقتصاد السوري يُظهر بوادر تعافٍ وتحسنًا في الآفاق”، مُرجعًا ذلك إلى تحسن ثقة المستهلكين والمستثمرين في ظل ما وصفه بـ”النظام السوري الجديد”، وإلى الاندماج التدريجي لسوريا في الاقتصاد الإقليمي والعالمي مع رفع العقوبات وعودة أكثر من مليون لاجئ.
الإصلاح المالي
نص البيان على تقديم المساعدة الفنية لصياغة موازنة الحكومة لعام 2026، والتي تهدف إلى زيادة الإنفاق على الاحتياجات الأساسية ودعم الفئات الهشة، كما يشمل البرنامج تحسين إدارة الإيرادات، واستكمال التشريعات الضريبية الجديدة، ووضع استراتيجية شاملة لمعالجة ديون سوريا.
كما سيقدم الصندوق الدعم لإعادة تأهيل أنظمة الدفع والخدمات المصرفية، وإعادة بناء قدرة البنك المركزي على تنفيذ السياسة النقدية بفعالية لتحقيق استقرار الأسعار وخفض التضخم، وتعزيز قدرته على الإشراف على النظام المصرفي.
وفي خطوة تهدف لتحسين البيانات الإحصائية.؛ أشار الصندوق إلى أن البيانات الاقتصادية الموثوقة “لا تزال شحيحة”، لذلك فسوف يركز الدعم الفني على تحسين إحصاءات الحسابات القومية والأسعار وميزان المدفوعات والمالية العامة، وهو ما سيمهد الطريق لاستئناف “مشاورات المادة الرابعة” مع سوريا، والتي توقفت منذ عام 2009.
التعاون الجديد وآفاق المستقبل
تجري هذه التطورات في إطار تحول استراتيجي أوسع، حيث تسعى سوريا تحت قيادة رئيسها الجديد أحمد الشرع إلى إعادة رسم سياساتها الاقتصادية والخارجية، وقد سبق زيارة بعثة الصندوق اجتماع رفيع المستوى جمع الرئيس الشرع مع المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجييفا في واشنطن.
من جهته، أعرب وزير المالية السوري محمد يسر برنية عن تفاؤله من تحسن العلاقة مع المؤسسات المالية الدولية، معتبرًا أن هذا التعاون “في مصلحة سوريا وازدهارها”، كما أشار إلى أن وفدًا من مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي قد بدأ زيارة لسوريا لدعم القطاع الخاص والتعافي الاقتصادي.
ويمثل إعلان صندوق النقد الدولي بدء “مرحلة تعاون مكثف” مع سوريا علامة بارزة على انفتاح تدريجي للبلاد بعد سنوات من العزلة، بينما يركز الدعم الحالي على المساعدة الفنية وبناء المؤسسات، فإن نجاح هذه البرامج سيكون رهينًا باستقرار الأوضاع السياسية والأمنية، واستمرار انخراط سوريا في المجتمع الاقتصادي الدولي.






