يوافق اليوم الثلاثاء الذكرى السنوية العاشرة للتدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي بدأ رسمياً في 30 أيلول من عام 2015 عبر حملة جوية واسعة النطاق، طالت معظمها المدنيين، وخلفت مجازر واسعة.
وتأتي هذه الذكرى اليوم وسط تطورات كبيرة في الملف السوري، تتشابك فيه الرغبة بالاستقرار وتصحيح مسار العلاقات مع الدول وتوازنها، وبين تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.
وكانت الحكومة السورية قد أبدت مرونة في استعادة العلاقات مع روسيا، “على أسس العدالة الانتقالية والاحترام والمصالح المتبادلة”، فيما أجرى مسؤولون من الجانبين عدة لقاءات كانت آخرها بين وزيري الخارجية أسعد الشيباني وسيرغي لافروف في نيويورك.
ويُعد هذا التدخل من أبرز المحطات في مسار الحرب السورية، إذ غيّر موازين القوى على الأرض، وأعاد تشكيل المشهد السياسي والعسكري في البلاد، لكنه لم يمنع سقوط الأسد في النهاية.
الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان طالبت روسيا بتقديم اعتذارٍ رسمي ودفع تعويضاتٍ وتسليم بشار الأسد، مؤكدة أنها قتلت 6993 مدنياً بينهم 2061 طفلاً و984 سيدة، فضلا عن التسبب بنزوح وتشريد أعداد كبيرة من المدنيين، وأنه لا بدَّ من المحاسبة.
وقالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة، في تصريح لحلب اليوم: إنه “لا بد من التعويض وجبر الضرر وكشف الحقيقة، حيث يجب على كل من ارتكب الانتهاكات الجسيمة بحق السوريين، أن يعترف بانتهاكاته ويقدم اعتذارات علنية.. ربما لا تحل تلك الاعتذارات المشكلة ولا تعيد للناس حقوقهم ولكنها تضمن على الأقل شكلا من أشكال العدالة الرمزية”.
ومن شروط العفو أيضا “تقديم التعويضات للضحايا وذويهم، ربما تكون مادية وربما تكون معنوية، ومن الممكن أن تكون عمليات الجبر فردية أو جماعية فمن أركان العدالة الانتقالية حدوث مصالحة مجتمعية مبنية على هذه الأسس: الاعتراف والاعتذار العلني والمكاشفة والشفافية، هذا ما يضمن السلم الأهلي، وليس البدء بصفحة جديدة دون معالجة المظالم لأن ذلك سيزيد الغضب الشعبي والاحتقان”، وفقا لحلاق.
ومع تصاعد حدة المعارك بين قوات النظام البائد وفصائل الثورة منذ عام 2011، وتراجع سيطرة الأسد على مناطق واسعة من البلاد، جاء التدخل الروسي ليمنع انهياره، وبررت موسكو تدخلها بأنه “محاربة للإرهاب” وحماية لمصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، لاسيما قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في حميميم.
وعززت موسكو وجودها العسكري بإنشاء قاعدة حميميم الجوية، ونشرت منظومات دفاع جوي متطورة، كما وفّرت غطاءً دبلوماسياً للنظام في المحافل الدولية، وشاركت ميدانياً بمستشارين عسكريين وقوات خاصة محدودة، لكن التدخل الجوي والمدفعي قلب موازين القوى لصالح الأسد، وأخر سقوطه وتسبب بمزيد من المآسي في مختلف المحافظات السورية.
كما عرقلت المساءلة الدولية باستخدام حق النقض 18 مرة، منها 14 بعد تدخلها العسكري، وصوَّتت ضد الشعب السوري في 21 دورة لمجلس حقوق الإنسان ضد أي إدانة للنظام.
وتشير تقديرات الشبكة إلى ارتكاب القوات الروسية في سوريا، ما لا يقل عن 363 مجزرة، حيث طالبت بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الروسية، وتعويض الضحايا.
كما دعت الشبكة الحكومة السورية إلى “تأطير العلاقات مع روسيا ضمن مقتضيات العدالة، وتنظيم أي علاقات أو تعاون مستقبلي مع روسيا ضمن إطار يلتزم بالمساءلة عن الانتهاكات السابقة، بما يشمل مطالبة روسيا بتحمُّل مسؤولياتها القانونية تجاه المدنيين المتضررين، وإلزامها بالتعويض والمساهمة في إعادة إعمار ما دُمِّر خلال تدخلها العسكري في سوريا”.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد زار موسكو، في تموز الماضي، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف: “نمر بمرحلة مليئة بالتحديات، وهناك فرص كبيرة لسوريا ونطمح لأن تكون روسيا بجانبنا، نحن هنا اليوم لنمثل سوريا الجديدة حيث نريد أن نفتتح علاقة صحيحة وسليمة بين البلدين قائمة على التعاون والاحترام المتبادل”.
وقال لافروف من جانبه إن روسيا “مستعدة لتوفير كل المساعدة الممكنة لإعادة الإعمار بعد النزاع”.