في زمن تترنح فيه القيم وتختلط فيه المعايير، يعود المواطن السوري خالد المر، المعروف بـ “أبو محمد”، ليذكّر العالم بأن الكرامة ليست كلمات تُقال، بل هي أفعال تُكتب في صفحات التاريخ.
تداول السوريون على نطاق واسع صورًا ومقاطع فيديو لمشاركته في حفل إطلاق صندوق التنمية السوري، حيث قدم تبرعًا بمبلغ 500 دولار، لتُضاء من جديد حكايته التي بدأت قبل سنوات.
أيقونة الكرامة
اشتهر “أبو محمد” لأول مرة في عام 2022 من خلال مقابلة تلفزيونية في برنامج “مع المهجرين” على قناة حلب اليوم. لم يكن مجرد شخص عادي يتحدث عن معاناته في المخيم؛ بل كان نموذجًا فريدًا يفيض عزةً وشموخًا، تحدث بكلمات بسيطة لكنها ثقيلة الوزن عن الحياة في ظل النزوح، رافضًا أي صورة من صور الضعف أو الاستسلام.
في تلك المقابلة، ترك “أبو محمد” مقولات لا تزال عالقة في أذهان الكثيرين، تحدث عن إحساسه بالتخلي، لكنه حوله إلى مصدر للقوة: “نحن إن نزلت من عيوننا دمعة فهي دمعة خوف من أحد، ولكن ليست دمعة حسرة لأن كلاب الأرض اجتمعت علينا، وكل دول العالم.. تخلوا عنا بصراحة”.
الكرامة هي الأغلى
يُعدّ حديث “أبو محمد” عن التضحيات التي قدمها السوريون من أجل حريتهم من أكثر الأجزاء تأثيرًا في المقابلة، فقد أوضح أنهم تركوا وراءهم كل ما هو مادي، من بيوت وأراضٍ وممتلكات، لأنها في نظره أشياء “رخيصة”، بينما حملوا معهم ما هو نفيس وغالٍ: كرامتهم وشرفهم ودينهم.
وأكد على هذا المبدأ في أكثر من موضع، قائلاً: “نحن لا نركع لأحد، لأن الركوع فقط لله؛ هو الوحيد المستحق للركوع. أما أن تركع لبني آدم لا، هم ليسوا مستحقين للركوع.” وأضاف: “أتينا بالذي يغلى علينا، كرامتنا وشرفنا وديننا. وتركنا له (بشار الأسد) الذي يغلى عليه من أبواب وشبابيك وحجار وشجر. خليه يطلع ويدمر مثل ما بده”.
“أبو محمد”.. المؤثر الحقيقي
الاحتفاء بـ “أبو محمد” بعد تبرعه ليس مجرد رد فعل عابر، بل هو تأكيد على أن القيم التي تحدث عنها ليست شعارات، بل هي حقيقة يعيشها، في مجتمع غالبًا ما يُقيّم الأفراد فيه بناءً على ثروتهم ومراكزهم، يأتي “أبو محمد” ليُغيّر الموازين.
ناشطون وصفوا “أبو محمد” بالمؤثر الحقيقي، ليس لأنه يملك عددًا كبيرًا من المتابعين، بل لأنه يملك “الكرامة والكلمة الطيبة والأثر الطيب”، تبرعه بمبلغ 500 دولار، رغم ظروفه، كان بمثابة رسالة قوية بأن العطاء لا يرتبط بحجم الثروة، بل بحجم الإيمان بالقضية.
قصة “أبو محمد” وتبرعه الأخير تأتي لتؤكد أن العزة لا تقتصر على الكلام، بل هي أفعال تجسد قوة الإرادة والتمسك بالمبادئ، حتى في أصعب الظروف.