سلطت صحيفة “ذا ناشيونال” الضوء على ملف اللاجئين وطالبي اللجوء السوريين في ألمانيا، وأسباب بقاء معظمهم هناك رغم تحرير البلاد من سلطة الأسد.
وفي تقرير بعنوان “الجيل السوري في ألمانيا غير مستعد لحزم أمتعته والعودة إلى الوطن”، قالت الصحيفة إن البيانات تظهر أن أقل من 2000 سوري استفادوا من العرض الرائد الذي قدمته برلين للعودة، من أصل مليون لاجئ سوري حيث أن الحكومة مستعدة لدفع المال لهم مقابل رحيلهم.
وكانت ألمانيا قد قدمت ذلك العرض النقدي للعودة منذ سقوط بشار الأسد، بعد مرور 10 سنوات على تلك “المشاهد الدرامية التي وقعت في عام 2015، عندما نامت حشود من الناس في جميع أنحاء أوروبا، لا يحملون سوى الملابس التي يرتدونها، في محطات القطارات، وأشعلوا النيران في الشوارع، وأقنعوا الألمان بفتح أبواب منازلهم”.
ونقلت الصحيفة عن سوريين ألمان أن “الكثير قد تغير منذ ذلك الحين.. حكومة جديدة في برلين تدعو إلى إغلاق الحدود والترحيل.. وحكومة جديدة في دمشق تدعم إعادة بناء ما خلفته الحرب، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان السوريون لا يزالون بحاجة إلى اللجوء في أوروبا”.
وبات الكثيرين من السوريين اليوم لهم جذور راسخة في ألمانيا، حيث وُلِد أطفالهم ونشأوا هناك ولم يعرفوا سوريا القديمة قط. يقول أحمد الحميدي، لطفليه من أبناء جيل 2015: “لسنا بين عالمين، بل نحن الجسر الذي يربط بينهما”.
وفور سقوط النظام البائد أصبح بإمكان طالبي اللجوء السوريين العائدين طوعًا المطالبة بتكاليف السفر بالإضافة إلى 1000 يورو (1160 دولارًا أمريكيًا) كـ”مساعدة تأسيس” من الحكومة الألمانية. ولكن حتى الشهر الماضي، لم يتجاوز عدد من تقدموا بهذه المساعدة 1337 شخصًا، وفقًا لأرقام وزارة الداخلية التي حصلت عليها الصحيفة.
وتدور محادثات حول ترحيل السوريين المرتبطين بالجرائم أو العنف، ويستغل سياسيون يمينيون هذه الحالات الشنيعة للدعوة إلى “إعادة الهجرة”، ومع ذلك، يخشى الحميدي أن يُزعزع تطهير البلاد من الفاسدين استقرارَها أيضًا. وقال: “من يعيش هنا، ويدفع الضرائب هنا، ويربي أبناءه هنا، ليس ضيفًا مؤقتًا”.
من جانبها كانت جالا الجزائري تعمل لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دمشق، وبعد اندلاع الحرب في سوريا عام ٢٠١١، أصبحت هي الأخرى لاجئة، وبعد وصولها إلى ألمانيا، عملت في مجلس للاجئين في بوتسدام، وفي صيف عام ٢٠١٥، شهدت تعاطفًا استثنائيًا مع مئات الآلاف الفارين من الشرق الأوسط إلى أوروبا.
في مشاهد فوضوية، وصل العديد من اللاجئين بالقوارب إلى تركيا واليونان، ثم توجهوا شمالًا بالقطار أو سيرًا على الأقدام، متحدّين أسوار الحدود والغاز المسيل للدموع، وحشد نشطاء ألمان جهودهم لإيواء الوافدين الجدد، واحتشدوا يحملون لافتات “مرحبًا باللاجئين” في المحطات.
وقالت السيدة الجزائري لصحيفة “ذا ناشيونال”: “كان عدد المتطوعين الألمان القادمين أكبر مما كنت أحتاج إليه في البداية”.
ويضيف التقرير: “مهما كانت دوافعها، واجهت ألمانيا مشكلة عملية. كيف يمكنها التعامل مع أكثر من 1.2 مليون شخص سُجِّلت طلبات لجوئهم في عامي 2015 و2016؟ كيف يمكنها توحيد الألمان مع السوريين المُهجَّرين من خلفيات متباينة؟”.
وأضافت أن “حالة الترحيب” التي سادت في عام 2015، سرعان ما تحولت إلى ثقافة، ولكن هل نجحت ألمانيا في تحقيق ذلك؟ هذا الأمر محل جدل سياسي”.
وقد حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف فوزًا ساحقًا في البرلمان في انتخابات عام ٢٠١٧، مستندًا إلى برنامجٍ معادٍ للهجرة حذّر من “المجتمعات الإسلامية الموازية”.
ويرى السوريون أن التماسك غالبًا ما يثمر، وقد حصل أكثر من 80 ألفًا على الجنسية الألمانية عام 2024، وهو عدد يفوق بكثير أي جنسية أخرى. وأشار مكتب الإحصاء الألماني في يونيو/حزيران إلى أن السوريين “غالبًا ما يتقدمون بطلبات للحصول على الجنسية بمجرد استيفائهم للشروط”.
حصل أحمد الحميدي الآن على جواز سفر ألماني، وترشح عن حزب الخضر في الانتخابات العامة التي جرت في فبراير، ويرى أيضًا تقدمًا في سوق العمل، حيث كان السوريون غالبًا ما يُعيقهم نقص المهارات اللغوية أو المؤهلات المعترف بها، حيث أن “سوق العمل الألماني أشبه بقلعة ذات أبواب كثيرة، وليس من السهل فتحها جميعًا.. سوق العمل بحاجة إلينا، ونحن بحاجة إلى فرص عادلة”.
يقول الاقتصاديون إن السوريين أساسيون لسد نقص العمالة في المجتمع الألماني المتنامي شيخوخةً، ويميل حزب البديل من أجل ألمانيا إلى السخرية من هذه الفكرة، مستخدمًا في كثير من الأحيان مصطلح “العمال المهرة” كرمز ساخر للمهاجرين المتورطين في الجريمة.
يذكر أن طلبات اللجوء حاليا مجمدة، ولا يزال معظمها معلقًا في انتظار البتّ فيها، بينما تراقب ألمانيا التطورات، وقد رُفِضَت طلبات 70 سوريًا فقط رفضًا قاطعًا حتى الآن هذا العام، و ينتظر أكثر من 51 ألفًا البت في طلباتهم.