تستمر الحركة الخجولة لإعادة إعمار المناطق المدمرة بجهود فردية، في مختلف المحافظات السورية، وبشكل خاص في الشمال الغربي حيث يعمل السوريون على إعاده إصلاح منازلهم ومحالهم التجارية، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على الواقع الصعب الذي عاشه العمال السوريون طيلة السنوات الماضية.
وقد عانت اليد العاملة السورية من انخفاض كبير جدا في الأجور، بسبب ندرة فرص العمل وقلة الأعمال والمشاريع؛ سواء في مناطق سيطرة النظام البائد، أو في الشمال الغربي الذي ضاقت مساحته جراء الاجتياح العسكري عام 2019، وبات شبه محاصر.
يقول العامل “فائز. ع” من ريف إدلب، لموقع حلب اليوم، إنه لم يستطع طيلة سنوات النزوح المريرة التي عاشها قبل التحرير أن يجد عملا مناسبا يكفيه قوته وقوت عياله، حيث كانت الأجور قليلة جدا، فقد يعمل اليوم بطوله ولا يدفع له صاحب العمل سوى مبلغ زهيد يتراويح حول 150 ليرة تركيه فقط (أقل من 4$).
ويوضح الشاب أن ذلك الأجر لم يكن يكفيه لمصاريفه الشخصية ومصاريف عائلته، حيث أن العمل لم يكن متوفرا بشكل يومي، مع الارتفاع الكبير في الأسعار، لكنه كان مضطرا للعمل في أي مجال والقبول بأي أجر، فقد باتت المعيشة اليومية صعبة بعد الحملة العسكرية التي قام بها النظام البائد بدعم روسي وإيراني، ما أدى لتهجير سكان أجزاء واسعة من محافظات حلب وإدلب وحماة.
واليوم؛ مع العودة البطيئة والتدريجية لحركة البناء والإصلاح، بات الطلب على اليد العاملة مرتفعا، مما أتاح للعمال الحصول على أجور جيدة تساعدهم في تحسين واقعهم المعيشي.
يقول الشاب أحمد من ريف حماة، إنه اليوم بات قادرا على تحقيق دخل يومي يتراوح ما بين 1000 إلى 1500 ليرة تركية (نحو 30$ في المتوسط)، وهذا يعادل نحو 8 أضعاف ما كان يحصل عليه سابقا قبل التحرير، معربا عن شعوره بالرضا تجاه الوضع الحالي.
ويوضح أن حركة البناء والإصلاح ما تزال في بدايتها، ما يعني أن الوضع الحالي لا يمثل طفرة مؤقتة، وإنما يَنظرُ إليه بتفاؤل حيث يتوقع الاستمرار في العمل بوضع جيد يمكنه من إحراز دخل يكفيه وعائلته وهو ما لم يكن متاحا سابقا.
وقد تعرضت اليد العاملة في سوريا لمعاناة شديدة جراء الحرب المستمرة منذ سنوات، وسط فقدان الوظائف وتدهور الأجور مع توقف العديد من المصانع والشركات عن العمل وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير، كما تدهورت الأجور، وبات العديد من العمال يعملون بأجور منخفضة لا تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وبالرغم من قلة الدخل فقد عمل العديد من العمال في ظروف غير آمنة، وبدون أي حماية أو ضمان لحقوقهم المادية، ما يعرضهم للاستغلال من قبل أصحاب العمل، حيث يتم إجبارهم على العمل لساعات طويلة دون الحصول على الأجر العادل.
وأثر ذلك بشكل كبير على حياتهم الأسرية والاجتماعية، فالصعوبة التي قاسوها في تلبية احتياجات أسرهم، سببت نوعا من التأثير النفسي والاجتماعي والتوتر في العلاقات الأسرية، فضلا عن ارتفاع معدلات السرقة وفقدان الأمان.
ومع تغير وضع البلاد أصبح لدى العمال أمل في مستقبل أفضل، مع تحسّن ظروف العمل، لكن يبقى على الحكومة توفير الحماية والرعاية، وفرض الشروط المناسبة على أصحاب العمل.
وكان لتحسّن حركة البناء في سوريا بعد توقفها لفترة طويلة بسبب الحرب؛ تأثير إيجابي على العمال في البلاد، من خلال خلق فرص عمل جديدة في مختلف المجالات، مثل البناء والتشييد فضلا عن الزراعة.
ومع عودة الحياة الطبيعية تدريجيا إلى البلاد، لا تزال هناك تحديات تواجه العمال في سوريا، مثل الحاجة إلى تحسين ظروف العمل وضمان حقوقهم، ووجود نقابات أو جمعيات تمثلهم وسن تشريعات تمنع أرباب العمل من استغلالهم.