تتواصل معاناة السوريين في الشمال الغربي، خلال شتاء عام 2024 – 2025 الحالي، خصوصا النازحون منهم، رغم سقوط الأسد وتحرير البلاد من سلطته، وسط زيادة في أسعار كافة المواد الأساسية بما فيها مواد التدفئة التي ارتفعت مؤخرا بعد قرار توحيد رسوم الجمركة.
وتشهد مخيمات النازحين في شمال غرب سوريا، أوضاعا إنسانية سيئة جدا، وسط حالة من العجز الكبير في تأمين المستلزمات، وضعف تجاوب المنظمات العاملة، حيث أصبحت خيارات السكان محدودة جداً بين تأمين الغذاء أو مواد التدفئة لهذا العام.
وبحسب استبيانات أجراها منسقو استجابة سوريا في المخيمات حول واقع التدفئة خلال الشتاء الحالي، فإن 77 % من النازحين لم يحصلوا على مواد التدفئة لهذا العام، في حين حصل 12 % منهم على تدفئة تكفي لأربع أسابيع فقط (مع التقنين في استخدام مواد التدفئة)، وحصل 11 % فقط من النازحين على مواد تكفي (بين ستة وثمانية أسابيع فقط)، في حين اشتكى أكثر من 81 % من النازحين من رداءة مواد التدفئة المقدمة وسوء النوعية المستخدمة في عمليات الاستجابة.
وأفاد مراسل حلب اليوم، في مدينة إدلب بارتفاع أسعار مواد التدفئة بما يقرب من 15 بالمائة، خلال الأيام الفائتة، وذلك بسبب القرار الذي صدر عن حكومة تصريف الأعمال بخصوص توحيد الرسوم الجمركية المفروضة على المعابر الحدودية.
ويعتمد الشمال السوري على قشور التدفئة المستوردة من الخارج عبر تركيا، مثل قشر البندق التركي والجورجي، أو قشور الفستق التركي والإيراني، وكذلك قشور الجوز واللوز وقشور بذور المشمس، وغيرها.
وكان التجار يستوردون تلك المواد مع دفع رسوم لإدارة معبر باب الهوى شمال إدلب، أو باب السلامة شمال حلب، لكن قرار خفض الرسوم الجمركية في عموم البلاد، الذي صدر مؤخرا، أدى فعليا إلى رفعها في المعبرين المذكورين، حيث كانت سلطة الأسد المخلوع تفرض تعرفة جمركية كبيرة جدا، ورغم خفضها بنسبة كبيرة بقيت مرتفعة بالنسبة لمعابر الشمال الغربي.
وأوضح مراسلنا أن عموم أنواع القشور ارتفعت من (190 – 200) دولار أمريكي للطن الواحد، إلى (220 – 230) دولار أمريكي للطن، وهو ما أدى لزيادة أسعار الحطب والبيرين، رغم كونهما من المنتجات المحلية.
ويقدر منسقو الاستجابة، أن أكثر من 92 % من العائلات غير قادرة على تأمين مواد التدفئة للشتاء الحالي، مع استمرار معاناة النزوح، بسبب الدمار الذي لحق بمناطقهم وبيوتهم.
ويسعى 81 % من العائلات في شمال غرب سوريا إلى تخفيض الاحتياجات الأساسية في محاولة للحصول على التدفئة لهذا العام، لذا فإن انخفاض استجابة الشتاء يزيد من المخاطر الصحية والاجتماعية على النازحين.
ويؤدي تفاقم المعاناة خلال فصل الشتاء لتعميق الأزمة الإنسانية وتهديد حياة الآلاف، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، لأن المخيمات تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، ومع غياب المساعدات الشتوية تتحول المعاناة اليومية إلى “كارثة إنسانية صامتة”.
وتواصلت معاناة ما يقرب من 6 ملايين شخص عاشوا في الشمال السوري لسنوات، لكن لمعاناة نحو 1.8 مليون نازح في المخيمات معنىً آخر، وفيما عادت نسبة غير معروفة منهم إلى مدنهم وقراهم بعد سقوط الأسد، فإن الغالبية لا يزالون في نزوح، مع تعمق احتياجاتهم بسبب حاجتهم لإصلاح منازلهم المدمرة.
ويضم الشمال السوري أكثر من 1600 مخيما، منها أكثر من 500 عشوائية بلا تنظيم، كما تعيش آلاف الأسر في بيوت غير مجهزة.
لم يشتر أبو أكرم أي مواد للتدفئة منذ نزوحه من بلدته شرقي مدينة سراقب، في شتاء عام 2019، حتى اليوم، بالرغم من أن لديه أحفادا صغارا، فضلا عن كونه وزوجته مسنّين وبحاجة للعناية، حيث يعتمد على ما يجمعه أولاده وأحفاده من بقايا الكرتون والبلاستيك.
ويقول الرجل إنه لا يهتم لارتفاع أو انخفاض أسعار الحطب والقشور، لأنها خارج نطاق قدرته أساسا، حيث يقوم بإشغال ما يتيسر له في خيمته على أطراف إدلب، كما يعتمد على لبس “الفروة” التي تبقيه في مأمن من البرد إلى حد ما.
لكن اعتماد النازحين على المواد البلاستيكية والمخلفات في التدفئة، له عواقب وخيمة، كما تقول منظمة الصحة العالمية، حيث تنتج أبخرة سامة تدخل إلى الأجسام عن طريق الجهاز التنفسي، وتسبب الأوبئة العديدة بما فيها السرطانات.
وإلى جانب هؤلاء يوجد كثير من النازحين خارج المخيمات يقطنون في مساكن غير ملائمة، مثل البيوت المتهالكة غير المؤهلة للسكن، أو البيوت غير المكسية (على العضم) بدون أبواب وشبابيك، ومنهم من يقطن في مداجن وغير ذلك.
وكانت أسعار مواد التدفئة قد ارتفعت خلال الخريف الفائت، في الشمال السوري، بمجرد انخفاض درجات الحرارة، بمقدار 20 دولارا، فيما شحّت كميات المازوت، وارتفع سعر الغاز بمقدار بسيط.