بعد تحرير سوريا تقف البلاد على أعتاب مرحلة جديدة تتطلب مواجهة الماضي لإعادة بناء المستقبل، تمثل العدالة الانتقالية حجر الأساس لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان المحاسبة والإنصاف للضحايا.
العدالة والمساءلة أساس السلام المستدام
قال المحامي عمار يوسف إن مفهوم العدالة والمساءلة يُعدُّ أحد الركائز الأساسية لتحقيق السلام المستدام في المجتمعات التي تعاني آثار الصراعات الداخلية والحروب الأهلية، وأشار إلى أن الحالة السورية تُعتبر فريدة من نوعها بسبب سنوات الصراع الطويلة، وأعداد الضحايا الهائلة، والانقسامات العميقة التي طالت النسيج الاجتماعي.
وأكد يوسف أن تطبيق العدالة والمساءلة في سوريا يشكل ضرورة ملحة لمنع انتشار حالات الانتقام والثأر الفردي، مشدداً على أن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إطار قانوني ينظم المحاسبة، ودعا الإدارة الجديدة في سوريا إلى اتخاذ خطوات جدية نحو محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال فترة حكم الأسد، موضحاً أن هذا التحدي الكبير يتطلب إرادة سياسية قوية لمواجهة إرث طويل من الإجرام.
أما عن آلية المحاسبة فبيّن يوسف أنها تتمثل في إنشاء محاكم وطنية مختصة تعمل على محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا، مؤكداً أن هذه الخطوة تُعد أساسية لإعادة بناء الثقة داخل المجتمع، كما حذّر من خطورة تبني نهج “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، حيث قد يؤدي إلى تصاعد حالات الانتقام والثأر خارج إطار القانون، مما ينذر بمزيد من الفوضى والعنف في المرحلة المقبلة.
وختم يوسف بالتأكيد على أن العدالة الانتقالية ليست مجرد خيار، بل هي شرط أساسي لتحقيق الاستقرار وضمان بناء مجتمع قائم على أسس القانون والمساواة.
وفي سياق متصل، يرى العميد الركن عبد الله الأسعد أن العدالة الانتقالية تمثل خطوة جوهرية للوصول بسوريا إلى بر الأمان، وذلك من خلال اختيار الشخصيات القادرة على لعب دور إيجابي في بناء الدولة.
وأكد الأسعد أن تحقيق العدالة والقصاص من المجرمين الذين تورطوا في إراقة دماء السوريين يعد عنصراً أساسياً لبناء دولة خالية من المجرمين والطغاة، مشيراً إلى أن سلطة الأسد حكمت سوريا بالقمع والإذلال المستمر للمواطنين.
وأشار الأسعد إلى الدور الحيوي للعدالة الانتقالية في عزل الشخصيات السياسية التي كان لها تأثير سلبي خلال الصراع، ومنعها من تولي مناصب حساسة تؤثر في مستقبل الأجيال السورية، ولفت إلى ضرورة الانتباه إلى التحديات التي تعيق تطبيق هذه العدالة، وأبرزها التدخلات الخارجية والمصالح المرتبطة بالأقليات.
وشدد الأسعد على ضرورة التعامل بحزم مع المجرمين من جميع الأطياف، مع الحرص على حماية المدنيين والأقليات من أي انتهاكات قد تمس حقوقهم، كما حذّر من السماح لفلول الأنظمة السابقة بلعب دور تخريبي في مستقبل سوريا، مستشهداً بتجربة اجتثاث حزب البعث في العراق، واعتبر أن اجتثاث هذه المنظومة من سوريا أمر لا بد منه، كونها كانت الأداة التي استخدمها الأسد لإذلال الشعب السوري.
وفي ختام كلامه أكد الأسعد على أهمية اتخاذ خطوات حاسمة في بناء دولة عادلة تحترم كرامة مواطنيها، وتضع حداً للأنظمة التي قامت على الظلم والإذلال، ومن خلال تطبيق العدالة الانتقالية والمساءلة، يمكن لسوريا أن تبدأ مسيرة إعادة البناء والاستقرار، بما يضمن عدم تكرار المآسي، ويؤسس لمستقبل مزدهر وآمن.
و تبرز العدالة الانتقالية كضرورة حتمية. فهي السبيل نحو تحقيق المصالحة الوطنية، وإنصاف الضحايا، وإعادة بناء الثقة بين مكوّنات المجتمع، إضافةً إلى ترسيخ أسس دولة القانون والمؤسسات، وفي ظل السعي نحو مستقبل يعمه السلام، تصبح العدالة حجر الزاوية لضمان عدم تكرار المآسي، ولتمهيد الطريق نحو نهضة شاملة تُعيد لسوريا مكانتها.
يشار إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت مقتل نحو 250 ألف سوري بينهم 30 ألف امرأة و30 ألف طفل، منذ بدء الثورة السورية وحتى حزيران 2024، فيما اعتقل أكثر من 150 ألفاً آخرين.
جودي يوسف