توافق عربي ودولي على دعم سوريا والعمل على رفع العقوبات المفروضة عليها من أهم مخرجات اجتماع الرياض منذ يومين. وأكد المجتمعون فيه على ضمان وحدة الأراضي السورية ووقوفهم إلى جانب خيارات الشعب السوري، واحترام إرادته.
يأتي الاجتماع في الوقت الذي تسعى فيه إدارة سوريا الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى تجميد العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على البلاد، والتي تمهد إزالتها إلى تسهيل بناء مؤسسات الدولة السورية الجديدة، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم وبيوتهم.
يرى المحلل السياسي “مصطفى النعيمي” أن اجتماع الرياض يأتي في سياق الانتقال من تقديم الدعم الإنساني إلى الدعم السياسي لسوريا، مما يمهد لعودة الحكومة السورية الجديدة إلى محيطها العربي والدولي، ويمثل هذا الاجتماع خطوة نحو إعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية وصولًا إلى استعادة دورها في أروقة مجلس الأمن الدولي.
وأضاف “النعيمي” أن المرحلة المقبلة ستشهد، وفق هذه التفاهمات، انفتاحًا عربيًا وغربيًا على سوريا، مع تسارع وتيرة المؤتمرات التي تُعقد برعاية سعودية أو تحت مظلة الجامعة العربية.
هذا الحراك سيعزز من دور الدول العربية في الضغط على المنظومة الدولية لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، بما يساهم في تخفيف الأعباء على الحكومة السورية الجديدة وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
وأكد أن رفع العقوبات سيمثل تغييرًا كبيرًا ينعكس إيجابًا على الاقتصاد السوري، خاصة مع تزايد الحملات الإغاثية والجسور الجوية والبرية إلى سوريا ومع بدء التعافي التدريجي، سيحتاج هذا المسار إلى دعم سياسي واقتصادي دولي، ما سيعيد سوريا إلى دورها كدولة فاعلة ومؤثرة في المنطقة، بدلاً من أن تكون متأثرة كما كانت في حقبة النظام السابق.
وفيما يتعلق بملف اللاجئين، شدد “النعيمي” على أن عودتهم تتطلب وجود بنية تحتية سليمة، وهي حالياً مدمرة بنسبة كبيرة تصل إلى 85% لذلك، فإن هذه العودة مشروطة بوجود اعتراف سياسي ودولي وتخفيف تدريجي للعقوبات، مع سن قوانين جديدة تدعم إعادة الإعمار واستعادة كامل الجغرافيا السورية تحت إدارة الدولة المركزية في دمشق.
واختتم “النعيمي” حديثه بالإشارة إلى أن استقرار سوريا سيتيح لها الحصول على قروض من البنك الدولي لتمويل مشاريع إعادة الإعمار. ومن شأن ذلك أن يشجع غالبية اللاجئين على العودة. لكنه حذر من أن غياب رؤية واضحة سيؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار محليًا وإقليميًا ودوليًا. وأن المرحلة المقبلة تتطلب جهودًا مكثفة من جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، بما في ذلك تخفيف العقوبات وسن قوانين جديدة لاستعادة الأموال المنهوبة واستخدامها في إعادة بناء الدولة السورية.
وأوردت وزارة الخارجية السعودية بياناً عبر موقعها الرسمي وقال البيان: إنه “جرى خلال الاجتماع بحث خطوات دعم الشعب السوري الشقيق وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة المهمة من تاريخه، ومساعدته في إعادة بناء سوريا دولة عربية موحدة، مستقلة آمنة لكل مواطنيها، لا مكان فيها للإرهاب، ولا خرق لسيادتها أو اعتداء على وحدة أراضيها من أي جهة كانت”.
وأضافت وزارة الخارجية السعودية في البيان: “كما بحث المجتمعون دعمهم لعملية انتقالية سياسية سورية تتمثل فيها القوى السياسية والاجتماعية السورية تحفظ حقوق جميع السوريين وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، والعمل على معالجة أي تحديات أو مصادر للقلق لدى مختلف الأطراف عبر الحوار وتقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها، أخذاً بعين الاعتبار أن مستقبل سوريا هو شأن السوريين، مؤكدين وقوفهم إلى جانب خيارات الشعب السوري، واحترام إرادته”.
كما عبّر المجتمعون عن قلقهم بشأن توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا والمواقع المجاورة لها في جبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة، مؤكدين أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها”.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان إن “الاجتماع يأتي لتنسيق الجهود لدعم سوريا والسعي لرفع العقوبات عنها، مرحباً بقرار الولايات المتحدة الأمريكية إصدار الترخيص العام 24 بشأن الإعفاءات المتصلة بالعقوبات على سوريا، مطالباً الأطراف الدولية برفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، والبدء عاجلاً بتقديم كافة أوجه الدعم الإنساني، والاقتصادي، وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية، ما يهيئ البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، مؤكداً أن استمرار العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق سيعرقل طموحات الشعب السوري في تحقيق التنمية وإعادة البناء وتحقيق الاستقرار”.
كما أشاد وزير الخارجية السعودي “بالخطوات الإيجابية التي قامت بها الإدارة السورية الجديدة، في مجال الحفاظ على مؤسسات الدولة، واتخاذ نهج الحوار مع الأطراف السورية، والتزامها بمكافحة الإرهاب، وإعلانها البدء بعملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري، بما يكفل تحقيق استقرار سوريا وصيانة وحدة أراضيها، وألا تكون سوريا مصدر تهديد لأمن واستقرار دول المنطقة”.
وشارك في الاجتماع الذي جاء بدعوة من السعودية، وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني ووزراء خارجية وممثلو مصر وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والعراق وإيطاليا وأمريكا والأردن والكويت ولبنان وسوريا وسلطنة عمان وقطر وإسبانيا وتركيا والإمارات والبحرين والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا.
جودي يوسف