اتخذت الحكومة المصرية موقفا متحفظا على التغيرات الجديدة في سوريا، عقب سقوط نظام الأسد، واستلام حكومة تسيير الأعمال مقاليد السلطة تمهيدا لإجراء الانتخابات الرئاسية.
وفيما زار عدد كبير من وزراء الخارجية والمسؤولين العرب والأجانب دمشق، خلال الأسابيع الأخيرة، فقد اكتفت القاهرة باتصال هاتفي أجراه وزير خارجيتها بدر عبد العاطي، نهاية الشهر الماضي، مع نظيره السوري أسعد حسن الشيباني.
وتمحور ذلك الاتصال حول التحذير المصري من أن “تكون سوريا مصدرا لتهديد الاستقرار في المنطقة أو مركزًا للجماعات الإرهابية”، والدعوة إلى “تكاتف المجتمع الدولي” للحيلولة دون ذلك.
وفي تصريحات جديدة أدلى بها عبد العاطي، أمس الأحد، عقب الاجتماع الوزاري العربي الموسع بشأن سوريا، اتخذت القاهرة نفس الموقف، حيث عاد الأخير ليجدد تحذيراته.
وحول أسباب هذا الموقف المصري من الملف السوري، قال حسام نجار الكاتب والمحلل السياسي، لموقع حلب اليوم، إن “انتصار الثورة السورية أصبح هاجساً للبعض وامتد التخوف لجعل العلاقات مع الإدارة الجديدة فاترة أو ضعيفة التواصل”.
وعقدت دول عربية وغربية اجتماعا موسعا في العاصمة السعودية الرياض، أمس، بحضور وزير الخارجية السوري، وبمشاركة وزراء خارجية تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، والعراق ولبنان والأردن ومصر وبريطانيا وألمانيا، كما شاركت الولايات المتحدة وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية.
وأظهر الاجتماع توافقا عربيا ودوليا على دعم سوريا ورفع العقوبات المفروضة عليها، مع التشديد على “ضمان وحدة الأراضي السورية، دون أن تكون مصدرا لتهديد الاستقرار في المنطقة”.
ودعا عبد العاطي لتبني “عملية سياسية شاملة بملكية سورية خالصة بكل مكونات المجتمع السوري وأطيافه، دون إقصاء لأي قوى أو أطراف سياسية واجتماعية لضمان نجاح العملية الانتقالية، وتبني مقاربة جامعة لكافة القوى الوطنية السورية، تتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254″، مشددا على ضرورة “عدم إيواء عناصر إرهابية” في الأراضي السورية.
ووصف نجار التبريرات التي ساقها الوزير المصري بشأن مخاوف بلاه في اجتماع وزراء الخارجية بشأن سوريا، بأنها “غير مقنعة”، مشيرا إلى “ما أورته الخارجية المصرية من امتعاض وتنديد بدا بعد ترفيع الضباط في هيئة تحرير الشام والتي تشمل أحد العناصر المطلوبين لمصر كونه حسب ادعاءاتهم يشكل خطراً إرهابياً”.
لكن سبب ذلك؛ وفقا لنجار، يعود إلى “وجود دولة سورية ذات ثقل عربي وثم عالمي، وهو ما سيؤدي لتراجع الدور المصري، فتوسيع العلاقات العربية مع سوريا سوف يحجم من هذا الدور وسوف تعمل الدول العربية على التركيز على سوريا أكثر من تركيزها على مصر”.
ويأتي هذا الموقف رغم أن الإمارات والسعودية حليفتي مصر، أبدتا موقفين أكثر مرونة تجاه سوريا، بل بادرت الرياض إلى دعم الإدارة الجديدة وإن بشكل محدود.
وحول تفسير ذلك، يرى المحلل السياسي الدولي أن “العلاقات بين الدول بشكل عام لا ترتبط بالعلاقات مع الأطراف الأخرى، وإنما كل منها تبحث عن مصالحها وتحاول أن يكون لها مركز ثقل بأي موقع، ونظراً للموقع الجيو سياسي لسوريا نرى تهافت الجميع للحضور والتواجد في دمشق، ونحن ندرك أهمية المملكة العربية السعودية، ووزنها الإقليمي، ووجود سوريا على نفس الخط دافع ومساعد لها في زيادة التموضع الإقليمي، بينما الإمارات دولة خاضعة للإملاءات وتستطيع تغيير تموضعها في أي ظرف وتحت أي ضغط ومن مصلحتها كذلك نتيجة وجود بعض أزلام النظام أن لا تكون في عداء مع الدولة الجديدة”.
ويرى نجار أن القاهرة “عندما تدرك أن التعاون والتوافق مع سوريا هو مصلحة عربية وإقليمية فسوف تغير القيادة المصرية موقفها وتدرك أنه لا يمكن لدولة أن تأخذ مكان دولة أخرى، والجميع يكمل بعضه البعض في سبيل تطور و رفعة البلد، وعليها أن تعرف أن مصلحتها في التعاون وليس الصراع، وستكون العلاقات في تطور مستمر إذا تفهمت هذه الأمور”.
من جانبه نفى المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير “تميم خلاف” أنباء تداولتها منصات التواصل الاجتماعي، حول إغلاق سفارة بلاده في دمشق، مؤكدًا أن السفارة لديها قائم بالأعمال وتواصل أداء دورها الحيوي في مساعدة السوريين بما في ذلك إيصال المساعدات المصرية.
وأضاف أن مصر حريصة على ألا تكون سوريا مصدر تهديد لدول المنطقة أو “حاضنة للإرهاب”، مشيرًا إلى أن بلاده ستواصل متابعة التطورات السياسية في سوريا في ضوء التحولات الحالية.
وبحسب عبد العاطي فإن الموقف المصري في سوريا يرتكز على أربعة محاور رئيسة هي: الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، دعم المؤسسات الوطنية السورية لتتمكن من أداء دورها في خدمة الشعب، تبني عملية سياسية شاملة بملكية سورية تشمل جميع مكونات الشعب دون إقصاء، ضمان أن تعكس العملية السياسية التنوع الديني والطائفي في سوريا.
وكانت البعثة الدبلوماسية السورية قد تأخرت في رفع علم الثورة على مقر السفارة وسط القاهرة، حتى أيام قليلة مضت، مبررة ذلك بأسباب بروتوكولية، فيما اعتقلت السلطات المصرية ناشطا سوريا طالب برفع علم الثورة.
ولم يكن التأخير مقتصرا على رفع العلم، حيث أحجمت القاهرة عن التواصل مع الإدارة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد، حتى تاريخ 31 من كانون الأول 2024.