في خطوة تهدف إلى تعزيز حماية البيانات الشخصية وتنظيم جمعها، أصدرت حكومة تصريف الأعمال بلاغاً رسمياً بتاريخ 7 يناير 2025، يقضي بمنع جمع البيانات الشخصية للمواطنين السوريين والعاملين في الدولة إلا من خلال وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات.
البلاغ، الذي نشرته رئاسة مجلس الوزراء للجمهورية في 9 يناير 2025، يتضمن توجيهات إلى جميع الجهات العامة، النقابات، ومنظمات المجتمع المدني، وكل من يتطلب عمله جمع البيانات الشخصية للمواطنين السوريين ومن في حكمهم.
يُطلب من هذه الجهات عدم القيام بأي نشاط لجمع البيانات الشخصية عبر النماذج الإلكترونية من المواطنين السوريين والعاملين في الدولة، إلا عن طريق وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات، وذلك من خلال منصاتها الإلكترونية الرسمية، كما يُشدد على ضرورة تنظيم وتداول واعتماد هذه النشاطات عبر القنوات الرسمية الحكومية حصراً، لضمان حماية المعلومات الشخصية ومنع استغلالها بطرق غير مشروعة قد تضر بالدولة أو مواطنيها.
في تصريح خاص لحلب اليوم، أشار د. حسان جنيدي، المختص في شؤون المجتمع المدني السوري، إلى أن: “القرار من ناحية تنظيمية هو صحيح حيث كل الدول لديها آليات معتمدة عندما تريد منظمات المجتمع المدني أو أي جهة جمع البيانات، تتعاون بعض منظمات المجتمع المدني مع الهيئات الحكومية لضمان توافق عمليات جمع البيانات مع السياسات الوطنية، مع الحفاظ على استقلالية عملها، تتنوع هذه الآليات وفقاً للإطار القانوني والسياسي لكل دولة، ولكن هناك معايير وممارسات شائعة دولياً تمثل الأساس الذي يُعتمد عليه لضمان جمع البيانات بشكل قانوني وأخلاقي”.
وأضاف د. جنيدي أن القرار يضمن حماية البيانات وحقوق الأفراد، والتي تشمل: “الحصول على موافقات رسمية، خصوصاً إذا كانت البيانات حساسة أو تتعلق بمجموعات ضعيفة أو قضايا حساسة، وإشعار الأفراد وموافقتهم، والحصول على موافقتهم الصريحة قبل جمع البيانات، يجب أن تكون منظمات المجتمع المدني شفافة بشأن طرق جمع البيانات واستخدامها، وأن تكون مستعدة لتحمل المسؤولية عن أي سوء استخدام أو انتهاك للبيانات، ويجب أن يكون جمع البيانات موجهاً نحو أهداف محددة وضرورية، مع تقليل جمع البيانات إلى الحد الأدنى المطلوب لتحقيق تلك الأهداف”.
يهدف البلاغ إلى حماية البيانات الشخصية، ومنع جمع البيانات بطرق غير قانونية قد تضر بالدولة أو مواطنيها، بالإضافة إلى تنظيم جمع البيانات، وحصر جمع البيانات عبر وزارة الاتصالات وتقانة المعلومات ومنصاتها الإلكترونية الرسمية، وضمان الأمان من خلال تداول واعتماد البيانات عبر القنوات الحكومية الرسمية فقط.
وفي سؤاله عن تأثير قرار حصر جمع البيانات عبر وزارة الاتصالات على عمل منظمات المجتمع المدني، أجاب: “حصر جمع البيانات يمكن أن يؤثر على عمل منظمات المجتمع المدني و قد يؤدي هذا إلى تأخير أو تعطيل بعض الأنشطة، ولكن وجودها كآلية ناظمة مهمة لحين أن يحصل توازن بين متطلبات الدولة والمجتمع المدني ومتطلبات المانحين… المهم أن يكون هناك إطار ناظم قانوني واضح يضبط العملية بين كل الأطراف”.
وأوضح أن القرار قد يشكل تأخيرا بتنفيذ بعض المشاريع، خاصةً إذا كانت العمليات تستغرق وقتاً طويلاً للحصول على الموافقات اللازمة أو إذا كانت هناك قيود على نوعية البيانات التي يمكن جمعها، ولكن الزمن سيكون كفيلاً بأن تأخذ مؤسسات المجتمع المدني ذلك بعين الاعتبار عند تنفيذ أي مشاريع مستقبلية.
وبيّن أن التحديات التي قد تواجه منظمات المجتمع المدني زيادة البيروقراطية، أي النظام الإداري والتنظيمي الذي يعتمد على وجود تسلسل هرمي واضح وإجراءات وقوانين صارمة لتنظيم العمل داخل المؤسسات الحكومية أو الكبيرة، و الحاجة إلى موارد إضافية لضمان الامتثال، بالإضافة إلى التأخير في تنفيذ المشاريع بسبب الإجراءات الإدارية.
وأوضح أن التوازن بين حماية البيانات وحرية العمل المجتمعي يعتمد على كيفية تطبيق القرار، “فإذا تم تطبيقه بطريقة شفافة وتعاونية، فقد يكون هناك توازن، ولكن إذا فرض قيود صارمة دون مشاورات، فقد يهدد حرية العمل المجتمعي، و يمكن للحكومة التعاون من خلال وضع آليات واضحة ومرنة لجمع البيانات، و إشراك المنظمات في صياغة السياسات، وتقديم تدريب ودعم للمنظمات لضمان الامتثال دون تعطيل أنشطتها، وينبغي أن يتم إصدار قانون محلي لحماية البيانات شبيه بالأنظمة الدولية مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، التي تضع ضوابط صارمة على جمع واستخدام البيانات الشخصية”.
واقترح د. جنيدي آليات لتحسين جمع البيانات بشكل آمن وفعّال من تعزيز الشفافية في عملية جمع البيانات، تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير أدوات تقنية آمنة لجمع البيانات، بالإضافة إلى تطوير بروتوكولات تضمن حماية البيانات مع مراعاة احتياجات منظمات المجتمع المدني.
يأتي هذا البلاغ في إطار سلسلة من القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال لتنظيم عمل الدولة بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.
وفي وقتٍ مسبق خلال ال29/12/2024 ، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن شروط جديدة لتأسيس المنظمات غير الحكومية، سواء كانت جمعية أو مؤسسة أو فريقاً، بهدف تنظيم عمل المنظمات، وتضمن القرار مجموعة من الأوراق المطلوبة لتقديم طلب تأسيس منظمة، منها طلب تأسيس موقع من مؤسسي المنظمة غير الحكومية متضمنًا اسم المنظمة المقترح لدى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل الفرعية في محافظة المقر، وسند تفويض المندوب لمتابعة إجراءات التأسيس، ومحضر انتخاب مجلس إدارة، ونظام داخلي أو أساسي وفق النموذج المعتمد، بالإضافة إلى خلاصة سجل عدلي (وثيقة غير محكوم) بتاريخ جديد لكل عضو من الأعضاء المؤسسين، بعد استكمال الأوراق المطلوبة، تمنح الجهة ترخيصًا مؤقتًا لمدة ستة أشهر، ليتم بعدها تقييم عمل المنظمة وتجديد ترخيصها بشكل دائم.
تُعد هذه الخطوات جزءاً من استراتيجية الحكومة لتنظيم وتطوير مؤسسات الدولة بعد التغيير السياسي في البلاد، وتوفير بيئة آمنة وموثوقة للمواطنين في ظل التحديات الراهنة، و من المتوقع أن يسهم البلاغ الجديد في تعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، من خلال ضمان تنظيم وحماية البيانات الشخصية، وهو ما يساهم في منع أي استغلال محتمل لهذه المعلومات.
كما يُعتبر القرار تعزيزًا لجهود الحكومة في ضمان أمن المعلومات وحمايتها من التسريبات، وهو جزء من سعي الدولة إلى بناء مؤسسات قوية وفعالة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين وحمايتهم من المخاطر المحتملة في مرحلة إعادة البناء.
هبة الله سليمان