أعلن وزير التجارة السوري، ماهر خليل الحسن، اتباع سياسات اقتصادية ومالية جديدة، في محاولة لإنهاء الآثار الكارثية والمدمرة للحقبة البائدة، والبحث عن أفضل الطرق لتحقيق الانتعاش واستعادة ما أمكن من مقدرات البلد.
ورسم الوزير معالم رؤية الحكومة الانتقالية في إطار تحرير الاقتصاد، مشيرا إلى أن هذه التعديلات قيد الإعداد، وستصدر خلال يوم أو يومين.
وقال في لقاء مع “الجزيرة نت” إنهم سيُجرون تخفيضات كبيرة في الرسوم الجمركية تصل إلى أكثر من 50% أو 60% في بعض منها، معتبرا أن هذه التعديلات ستنعكس إيجابياً على أسعار السلع في الأسواق المحلية.
وفي تعليقه على ذلك قال الخبير الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي، لحلب اليوم، إن قرار تخفيض الرسوم الجمركية سوف يساعد على خفض الأسعار بشكل عام، كما سيلعب دورا كبيرا في إعادة تدوير العجلة الإنتاجية، وتحفيز الإنتاج المحلي.
من جانبه وصف الخبير الاقتصادي السوري فراس شعبو، في إفادته لحلب اليوم، القوانين التي كانت سلطة الأسد تفرضها بالبالية والكارثية، مؤكدا أن تعرفة الجمركة الكبيرة سببت مشكلة حقيقية من جملة المشاكل التي دمرت اقتصاد البلاد.
ولكن تبقى قضية إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها النظام المخلوع غير ممكنة، وفقا لمتابعين، لأنها تلغي موردا مهما من موارد الخزينة، فيما يدعو خبراء لفرض رسوم انتقائية على سلع معينة.
وأوضح الحسن أنّ الرسوم في عهد النظام كانت مرتفعة بشكل كبير، مما أثر سلباً على الأسعار، حيث أن “الأسواق قبل التحرير كانت في وضع مزرٍ جداً، وتشهد قلة في المواد وانعداما لبعضها، وارتفاعا في الأسعار بمجملها، وكان المواطن السوري يعيش بشكل مذل”.
وفي حال شمل القرار المواد الأولية التي كانت تدخل في الإنتاج، فإن ذلك سيكون له الأثر الأكبر في خفض الأسعار، خصوصا بالنسبة لتلك المواد التي كانت سوريا تشتهر بها قبل الثورة، وفقا لقضيماتي.
ورأى أن ذلك سوف يؤثر على إعادة دخول البضائع السورية إلى السوق الإقليمي كبضائع منافسة ذات جودة عالية، وبالتالي سوف يساعد على توفير القطع الأجنبي بشكل أكبر في البنوك، وفي سوريا بشكل عام.
كما رجح الخبير السوري أن يزداد الطلب على اليد العاملة، ما سيؤدي لانخفاض معدلات البطالة، على المدى البعيد، ولكن ذلك “مرهون بوضع البنية التحتية بشكل عام، فهي لازمة للإنتاج”.
وقال الحسن إن سلسلة اجتماعات عُقدت لمراجعة الرسوم الجمركية على مختلف البضائع، سواء من ناحية الاستيراد أو التصدير، مؤكدا أن المواد الأساسية متوفرة في السوق وتكفي لعدة أشهر، وأن معظم السلع الأساسية -وعلى رأسها القمح- متاحة للإنتاج محليا، لكن توفرها بالكميات المطلوبة يحتاج إلى قليل من الوقت.
ويرى شعبو أن الحكومة بالفعل في حاجة للمزيد من الوقت، لأن النظام البائد ترك وراءه بلدا مدمرا اقتصاديا، بينما تبدو الإدارة الجديدة حتى الآن قادرة على التعامل مع المرحلة الحالية.
وأضاف أن الاستقرار الاقتصادي المرتبط بالوضع السياسي هو الأساس، لذا فإن الأمر ليس مرهونا بسياسات الحكومة فحسب، بل بتجاوب الدول الإقليمية والغربية مع الملف السوري.
اقتصاد السوق الحر
لطالما تحدث النظام البائد عن سياسات الدعم وخفض الأسعار، لكن ذلك لم يكن ملحوظا على أرض الواقع، حيث زادت قيمة الكثير من البضائع والخدمات في سوريا عنها في دول الجوار.
وتقول الحكومة الجديدة إنها تتجه لاعتماد اقتصاد السوق الحر، وإلغاء الدعم كسياسة فاشلة، كانت مصدرا لانتفاع المقربين من النظام.
وحول معالم النموذج الاقتصادي الذي تنوي الحكومة تبنيه في المرحلة القادمة، قال الوزير إنهم يرغبون في التوجه نحو فتح السوق وجعلها حرة تنافسية، فهي “فكرة تكاد تكون عالمية”.
وأكد أن “تقييد السوق وتعقيد القيود والضوابط والرسوم والقوانين، أمر تقوم به بعض الأنظمة الدكتاتورية وتستخدمه وسيلة وغطاء لنهب ثروات الشعب وجعلها محصورة في يد العصابة الحاكمة وأزلامها، والسوق السورية بشقيها التجاري والصناعي، كانت محدودة بأسماء وفئات معينة فقط، هي التي يُسمح لها بالمساهمة في الإنتاج أو الاستيراد والتصدير”.
وفي تعقيبه على ذلك، قال قضيماتي إن “سياسية تحرير الأسعار هي سياسة صحيحة، لأنها تدعم الاقتصاد الحر، ولكن لها عواقب ومميزات”، بحسب السياسة التي تتبعها الحكومة.
وأوضح أن السوق الحرة “من الممكن أن تجعل المواطن السوري تحت ضغط الأسعار، وفي المقابل فمن الممكن أن تكون إيجابية عندما يُفسح المجال للتصدير وتنخفض معدلات البطالة”.
واعتبر الحسن أن السوق الحرة تتيح المجال لجميع التجار والصناعيين على اختلاف طبقاتهم الاقتصادية، سواء في الاستيراد أو التصدير أو الإنتاج، وتفتح المجال أمام الاستثمارات المحلية والخارجية ضمن ضوابط معينة، وتؤدي إلى زيادة الطلب على اليد العاملة مما يقود إلى ما نطمح له، وهو زيادة دخل المواطن السوري.
وكانت سلطة الأسد قد أسست منظومة فساد كبيرة تتحكم في كافة الأسعار والمواد، وتحقق أرباحا طائلة على حساب المواطن، حيث يتم تفصيل القوانين دائما على مقاس هؤلاء، أو يتم فرض رؤيتهم بالقوة دون الالتفات لأي قانون.
وبحسب تقديرات الحكومة فإن أكثر من 70% أو 80% من اقتصاد البلد، كان مرهونا ببضعة أشخاص تابعين للأسد، لذا فقد اختارت عدم تجميد أو توقيف المصانع أو المعامل أو الشركات القائمة، لأن ذلك “سوف يؤدي إلى كارثة كبيرة جدا”، واختارت الحكومة إعطاء الإذن للكوادر أو العمال أو الإداريين المعينين من قبل النظام السابق بمتابعة العمل، مع وجود رقابة اختصاصية فنية، إلى أن يُدرس وضع هذه الشركات في مرحلة لاحقة.