تشهد أحياء مدينة حلب التي حُرِّرَت بعد سنوات من الحرب، حالة من التوتر والقلق مع تزايد نشاط قناصي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في بعض المناطق مثل (دوار الليرمون وملعب الكلمة وأطراف الميدان والصاخور ومحيط الأشرفية والسريان).
ويأتي هذا التطور في وقت حساس تسعى فيه المدينة إلى إعادة بناء حياتها اليومية واستعادة الاستقرار.
وأكد مراسل حلب اليوم محمود النجار أن الأحياء القريبة من حي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب تشهد تصعيدًا خطيرًا نتيجة استهداف قناص تابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) للمدنيين في مناطق دوار الليرمون، دوار الجندول، وطريق الكاستيلو.
وأدت هذه العمليات إلى وقوع عشرات الضحايا والمصابين، بالإضافة إلى مشاهد مروعة لسيارات متفحمة وجثث قريبة من مواقع الاستهداف، ويستمر الخوف والترقب بين السكان بسبب الاستهدافات المستمرة.
وفي حديث خاص “لحلب اليوم” أكد مدير عمليات رابطة المحامين السوريين الأحرار المحامي “عمار عزالدين” أنه لا زال الوضع في سوريا يخضع قانوناً لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ وبالتالي إن استهداف المدنيين من قسد يعتبر انتهاكاً لاتفاقيات جنيف، ويعتبر جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني.
وأضاف أن الخطوات القانونية التي يجب اتباعها تتمثل في معرفة هوية الشخص الذي تم قتله وتسجيل الحادثة من حيث المكان والزمان والحصول على تقرير طبيب شرعي يثبت الحادثة ووصف نوعية القتل والسلاح المستخدم وتاريخ الوفاة وسببه وتوثيق شهادة الشهود حول السياق العام للمنطقة والجهة المسيطرة والحوادث المشابهة والجهة التي ارتكبتها وتوثيق السياق الخاص حول الحادثة تحديدا واستجواب الشهود لبيان كيف وقفت الحادثة ومن ارتكبها.
ويمكن تقديم تقارير حقوقية لهيئات وآليات مجلس حقوق الإنسان مثل لجنة التحقيق الدولية والآلية المحايدة المستقلة في سوريا لتوثيق هذه الانتهاكات، ولكن هذه الآليات ليست محاكم. وأما عن المحكمة الجنائية الدولية لا ينعقد الاختصاص كون سوريا غير مصادقة على ميثاق روما ويمكن اللجوء مستقبلا للقضاء الوطني السوري بعد إصدار قانون العدالة الانتقالية ومحاكمة المجرمين. أما المحاكم الوطنية بارتكابهم جرائم حرب.
أما في الوقت الحالي وفق القانون السوري في حال وُقِّفُوا يمكن محاكمتهم بجريمة القتل العمد كون القانون السوري لا ينص على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب المحامي.
وأشار “عز الدين” إلى أنه يقع على عاتق الحكومة السورية الجديدة حماية المدنيين و بالتالي يجب عندما تكررت هذه الحوادث أن تتدخل لتمشيط هذه الأحياء ونزع السلاح والقبض على المجرمين وحماية المدنيين في هذه المناطق.
وفي سياق متصل أكد المحامي القانوني “عبد الناصر حوشان” أن قسد ومنظومتها تُعدّ كيانًا غير قانوني وغير شرعي، وتسعى إلى مشروع انفصالي لا يمكن القبول به تحت أي ظرف.
وإن الميليشيات المرتبطة بها تُصنّف كعصابات إجرامية انفصالية تهدد الأمن والاستقرار، كما أن قيام هذه الجماعات بنشر القناصات والأسلحة في مناطق تمركز المدنيين يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويمثل جريمة حرب.
وأضاف “حوشان”: إن استخدام المناطق المدنية، مثل الأحياء السكنية والمدارس، لنصب الأسلحة أو اتخاذها مواقع للاشتباك، يُعرّض المدنيون لخطر مباشر، ويُعدّ استهدافًا لهم على نحو غير قانوني.
أي اشتباك في مثل هذه الظروف سيؤدي حتمًا إلى وقوع ضحايا من الأبرياء، وهو ما يجعل هذه الممارسات جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، ويعزز الحاجة إلى محاسبة مرتكبيها وحماية المدنيين من هذه الانتهاكات.
وقال أحد المدنيين المقيم بمدينة حلب في المناطق المستهدفة من قبل قناصي قسد “حسن حميدي” إن أي مدني يوجَد في المناطق القريبة من دوار الليرمون، دوار الشيحان، شارع تشرين، والأحياء المجاورة لحي الشيخ مقصود هو هدف مباشر للاعتداءات التي تنفذها ميليشيات قسد الإجرامية، وقد دفع العديد من شبابنا الأبرياء، ومنهم طلاب جامعات زملاء لنا، حياتهم ثمناً لهذه الهجمات التي تُنفذ عبر قناصات حرارية تستخدمها هذه الميليشيات.
ورغم أن الوضع في المنطقة قد شهد تحسناً نسبياً مؤخرا، إلا أن وجود قسد وقناصيها لا يزال يشكل تهديداً كبيراً لأمن المدنيين في حلب بحسب المدني الذي أوضح أن هناك نسبة قليلة من الأحياء غير مكشوفة أمام القناصات، مما حال دون وقوع مجازر أكبر.
وأضاف “نحن أهالي هذه المنطقة المهددة بالخطر، قد أوصلنا صوتنا إلى الجهات المعنية، ونعمل بالتعاون معها للتصدي لهذه الاعتداءات وحماية أهلنا من أي تهديد محتمل، ونؤكد على أهمية التحرك العاجل لاتخاذ التدابير اللازمة لضمان أمن المدنيين والحفاظ على أرواحهم”.
وفي ظل استمرار وجود القناصين التابعين لقوات قسد في بعض أحياء مدينة حلب، يبقى المشهد الإنساني أكثر تعقيداً، حيث تتفاقم معاناة المدنيين الذين يدفعون ثمن هذه الانتهاكات. وبينما تتعالى الأصوات المطالبة بحل سياسي ينهي هذه الأزمة، ويعيد الأمن إلى المدينة، يبقى الأمل معقوداً على جهود المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات فعلية لحماية السكان المدنيين وضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
جودي يوسف