يسعى السوريون لمحاكمة بشار الأسد وأعوانه، بعد فرارهم لخارج البلاد وهروبهم أمام تقدم إدارة العمليات العسكرية، حيث يطالبون بمحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق السوريين.
وكانت روسيا الوجهة الأساسية التي فرّ إليها الأسد وعائلته، ومن المرجح وجود كبار أركان حكمه السابق فيها، كما فر العشرات من الضباط والشبيحة إلى لبنان، وكانت الإمارات أيضا من بين البلدان التي لجأ إليها مجرمو السلطة السابقة.
ونقلت وكالة رويترز للأنباء، عن مصدرين أمنيين في لبنان، أن السلطات اعتقلت ما يصل إلى 30 من ضباط المخابرات و”الفرقة الرابعة”، بعد فرارهم من سوريا، وأنهم الآن رهن الاحتجاز لدى الشرطة هناك.
من جانبه قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، أن بلده “ملتزم بالتعاون مع طلب الشرطة الدولية (إنتربول) للقبض على المدير الأسبق للمخابرات الجوية السورية، اللواء جميل حسن، إذا كان موجوداً على الأراضي اللبنانية أو إذا دخلها”.
وحول مدى إمكانية محاسبة الأسد وزمرته، قالت يمن حلاق الباحثة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، إن المحاكمة ممكنة من حيث المبدأ، لكن العائق يكمن في تطبيق الأحكام والعقوبات، مع لجوء هؤلاء إلى دول وجهات قد تحميهم.
وقال محمد صبلوح المحامي اللبناني والمدافع عن حقوق الإنسان، لموقع حلب اليوم، إنه لا حجة للقضاء اللبناني والسلطات الأمنية لعدم القبض على مسؤولي النظام المخلوع ومحاكمتهم أو تسليمهم، مؤكدا استعداده للمساهمة.
ما هي الخطوة الأولى؟
دعت حلاق الحكومة الجديدة إلى أن تنضم لميثاق روما، “فسابقا لم نكن نستطيع تحويل الملف السوري للمحكمة الجنائية الدولية لأن سوريا ليست عضوا في ذلك الميثاق، وبالتالي إذا أردنا تحويل الملف السوري للمحكمة فيجب أن يكون ذلك عن طريق مجلس الأمن وهناك كانت روسيا تستخدم الفيتو لمنع تحويل الملف للمحكمة”.
أما إذا انضمت الحكومة الجديدة لميثاق روما، “فسيصبح في إمكاننا رفع قضية ضد بشار الأسد لدى المحكمة الجنائية الدولية”.
وكانت أكثر من 100 دولة حول العالم قد أسست جهازا قضائيا دوليا لمواجهة جرائم الحرب والإبادة، تحت عنوان المحكمة الدولية، في الأول من يوليو/تموز عام 2002، بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في 11 أبريل/نيسان من السنة نفسها.
وحول وجود الأسد في روسيا، فقد أوضحت حلاق أن ذلك لا يمنع محاكمته وإدانته أبدا، على الرغم من منحه ما أسمته موسكو “اللجوء لأسباب إنسانية”، بأمر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأكدت أنه من الممكن أن تصدر بحقه إدانة أو عقوبة معينة، “لكننا لا نستطيع على أي حال أن نجبر روسيا على تسليمه، لذا فإن تنفيذ حكم المحاكمة – مع الأسف – يمثل مشكلة لأنه مرهون بتسليم روسيا للأسد وعائلته إما للمحكمة الجنائية الدولية أو للحكومة السورية الجديدة حتى يمكن أن تُجرى محاكمة محلية له”.
هل تسلّم لبنان الضباط الكبار؟
قالت مصادر قضائية لبنانية، إن مذكرة التوقيف الصادرة عن “الإنتربول” تتهم اللواء جميل حسن بالتورط في “جرائم حرب وتعذيب وإبادة جماعية”، حيث كان مسؤولاً عن الإشراف على إلقاء آلاف الأطنان من البراميل المتفجرة على السوريين.
وتدعي السلطات اللبنانية أنها تتحقق من تقارير عن وجود الأخير ضمن أراضيها، كما أنكرت علمها بوجود علي مملوك وماهر الأسد وآخرين.
وتحركت العديد من الجهات اللبنانية داخل البلاد، من هيئات وأحزاب سياسية وبرلمانيين وحقوقيين، للمطالبة بالقبض على مجرمي النظام البائد، فيما يوجد غموض حول حقيقة الأوضاع واستعداد السلطات الأمنية للتجاوب.
وتقول الباحثة السورية، إننا “نحتاج للنظر في القانون اللبناني وما إذا كان يلزم السلطات بتسليم المطلوبين، ولكن من الممكن على أي حال أن نطالب السلطات بالتسليم”.
من جانبه يوضح صبلوح أن لبنان “ملزم بالتحرك بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقع عليها عام 2000، وفي المادة الرابعة تضمن كل دولة طرف أن تمنع جرائم التعذيب بموجب قانونها الجنائي، وهذا ينطبق على أي شخص حاول ممارسة جريمة التعذيب أو المشاركة فيها”.
أما المادة الثامنة – يضيف المحامي اللبناني – فتقول إن لبنان “ملزم بتسليم مرتكبي الجرائم المذكورة في المادة الرابعة لدولتهم مباشرة، فالواجب هنا تسليم أي متهم بالتعذيب ولكن على الضحايا سواء أكانوا لبنانيين أو سوريين الادعاء على الأشخاص المتورطين ليتم اعتقالهم وتسليمهم لسوريا”.
ولفت إلى أن “الاتفاقية واضحة، فجرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، كما تطبق العقوبات والقوانين اللبنانية على كل شخص أجنبي أو عديم الجنسية مقيم في لبنان، إذا أقدم على ارتكاب جناية أو جنحة فاعلا أو متدخلا أو شريكا”.
وأضاف أن “مسؤولي نظام الأسد ليس لديهم مخرج سوى الهروب عبر الدول المجاورة، وهناك مع الأسف الكثير من قوى الأمر الواقع في لبنان تأتمر بأوامر مسؤولي نظام الأسد، وهناك الكثير من الكلام حول ذلك هنا في لبنان، وهو احتمال وارد جدا وأقرب إلى التصديق من رواية وزير الداخلية اللبناني”.
أما بالنسبة للدول الأوروبية – تضيف حلاق – “فمن المستبعد أن تمانع أي منها في أن تجري محاكمات على أراضيها بل وأن يكون حتى تنفيذ العقوبة على أراضيها أيضا، ففي الفترة الماضية حصلت محاكمات حتى قبل سقوط النظام لكثير من الشخصيات المرتبطة به في محاكم أوروبية وتم تنفيذ الحكم بحقهم في الدول التي يوجدون فيها، وهذا الشيء يتوقف على القانون الموجود في تلك الدول ومدى استعدادها لأن تتعاون في مجال المحاكمات وتسليم المطلوبين”.
بدوره يوضح صبلوح، وهو مدير برنامج الدعم القانوني في مركز سيدار للدراسات القانونية، أن “القضاء اللبناني لديه صلاحية لملاحقة هؤلاء، ولكن يجب أن يقدم الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب بدعاوى لنستطيع ملاحقة المتورطين، واستنادا لاتفاقية مناهضة التعذيب فإن من واجب لبنان أن يسلم أي شخص على أراضيه متهم بارتكاب جناية، بموجب المادة الثامنة من الاتفاقية”.
وكانت صحيفة “نداء الوطن” اللبنانية قد نقلت عن “مصدرين أمنيين متقاطعين” أن أقرباء الأسد ورجالات النظام البارزين، اختبأوا تحديداً بين فنادق بيروت والضاحية، في الأيام الأولى من سقوط الأسد، حيث نزلت والدة رامي مخلوف، زوجة خال بشار الأسد، في أوتيل فينيسيا، كما عُلم أن أولاد خالته نزلوا في بيروت أيضاً، أما فراس عيسى شاليش (ابن أخ ذو الهمة شاليش، المتورط في مجازر محافظة حماة وجسر الشغور أيام حافظ الأسد)، فقد اختبأ في فندق موفمبيك، وكذلك خالد قدّور، رجل الأعمال السوري المُقرّب من ماهر الأسد، والمدرج على لائحة العقوبات الأمريكية، فقد نزل أيضاً في موفمبيك.
وبحسب الصحيفة فقد كان ذلك تحت حراسة مشددة من دوريات أمن الدولة اللبناني، حيث أحاطت بالفنادق في بيروت، وفقا للمصدر.