بينما بدأت العائلات السورية بالعودة تدريجياً إلى قراها المحررة من سيطرة الأسد وقسد، يواجه السكان تهديداً متزايداً بسبب انتشار الألغام الأرضية ومخلفات الحرب، ما يعوق استقرارهم، ويشكل خطراً حقيقياً على حياتهم اليومية.
وفقاً لتقرير مرصد الألغام الأرضية، احتلت سوريا المرتبة الثانية عالمياً في عدد ضحايا الألغام عام 2023، حيث بلغ عدد القتلى 933 شخصاً، متجاوزة العديد من البلدان التي تعاني النزاعات، كما وثقت فرق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) وقوع 24 انفجاراً ناجماً عن مخلفات الحرب في شمال غربي سوريا فقط، في الفترة بين 27 تشرين الثاني و14 كانون الأول 2024، ومقتل 20 مدنياً بينهم 8 أطفال وامرأة، وإصابة 22 مدنياً بينهم 12 طفلاً بجروح منها بليغة، في انفجار مخلفات الحرب والألغام حتى تاريخ 19 كانون الأول.
وأوضح حميد قطيني وهو متطوع في الدفاع المدني، أن: الدفاع المدني غير معني بإزالة الألغام، بل بمسح أماكن وجودها والتوعية من مخاطرها، وإزالة مخلفات الحرب “الذخائر غير المتفجرة”.
وشارك حميد إحصائية حول مخلفات الحرب غير المنفجرة التي أزالتها فرق الدفاع المدني السوري خلال الفترة بين 26 تشرين الأول و 16 كانون الأول، حيث قامت بـ 246 عملية تطهير وإزالة، تم خلالها التخلص من 547 ذخيرة غير منفجرة، بالإضافة إلى تحديد 95 حقل ألغام، وقدمت الفرق 103 جلسة توعية بمخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة للسكان قبل عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها سابقاً، كما حددت فرق المسح 38 منطقة خطرة مؤكدة في شمال غرب سوريا.
تقوم فرق الدفاع المدني بتنفيذ عمليات مسح لمناطق الألغام وحملات توعية تستهدف المدنيين في المناطق التي تتواجد بها الألغام ومخلفات الحرب، لشرح كيفية التعرف على الألغام وتجنبها، إضافة إلى نشر خرائط توضح المناطق المشتبه بوجود ألغام فيها، هذه الجهود ساهمت في تقليل عدد الضحايا إلى حدٍ ما، لكنها لا تزال غير كافية بالنظر إلى حجم الخطر.
تسبب انتشار الألغام في مقتل وإصابة عشرات المدنيين، بمن فيهم أطفال ونساء، خلال محاولتهم استئناف حياتهم الطبيعية في مناطقهم المحررة، هذه الحوادث تأتي نتيجة العبوات المزروعة بعشوائية في الأراضي الزراعية والطرق الرئيسية وحتى داخل المنازل، ما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للسكان العائدين.
منظمات دولية مثل HALO Trust، ومحلية مثل فرق الدفاع المدني السوري، عملت على التوعية بمخاطر الألغام، إلا أن الجهود لا تزال غير كافية نظراً للكمية الهائلة من الألغام المزروعة والتحديات الأمنية واللوجستية.
يقول داميان أوبراين مدير البرامج في منظمة HALO Trust عبر صفحتهم الرسمية على منصة إكس فيما يتعلق بعودة العوائل إلى ديارهم، والذين قد يواجهون خطر الموت أو الإصابة بسبب الملايين من الألغام: “الأمر الحاسم هو رفع مستوى الوعي بالمخاطر”.
وأوضحت المنظمة عبر أحد منشوراتها، “يسير العديد من الناس عبر حقول الألغام” حيث في الأربع سنوات الماضية شهدت سوريا عدداً أكبر من ضحايا الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة مقارنة بأي دولة أخرى، ومع محاولة الملايين من السوريين العودة إلى ديارهم سترتفع الأعداد، وهناك حاجة إلى استجابة دولية”.
تظل الألغام عائقاً كبيراً أمام استقرار السكان في مناطقهم التي تحررت حديثاً، مما يجعل إزالة الألغام وإعادة تأهيل المناطق المتضررة أولوية قصوى، في ظل استمرار هذا التهديد، لا بد من تنسيق الجهود الدولية والمحلية لضمان حماية المدنيين وتحقيق الأمان المستدام في سوريا.
هبة الله سليمان