تعد المقابر الجماعية شاهداً صامتاً على الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين الذي قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد، حيث تمثل هذه المقابر جرحاً إنسانياً غائراً يكشف عن فصول مأساوية من الحرب.
وقال عضو مجلس إدارة الدفاع المدني السوري “أحمد يازجي” في تصريح خاص لـ”حلب اليوم” حول عدد المقابر الجماعية التي اُكْتُشِفَت إن “الدفاع المدني لا يفتح أي مقابر جماعية، أو يعمل فيها، إنما يقتصر دورنا في العمل في المقابر الجماعية على تحديد مواقعها بدقة عند تلقي بلاغات والتأكد من عدم وجود رفات غير محفوظة أو غير مدفونة”.
وأضاف: “لا أحد يمكنه تقدير عدد الضحايا، وهذه الأرقام التي تظهر هي لعب بمشاعر الناس، ولا يوجد أي جهة لديها أرقام دقيقة حول عدد الضحايا في المقابر الجماعية”.
وأكد أن مؤسسة الدفاع المدني لديها ضوابطها الصارمة في العمل بهذا الملف الشائك، فالفِرق لا تفتح أي مقابر جماعية، ولا تستخرج أي رفات مدفونة فيها، وإنما تعمل في إطار الاستجابة للتعامل مع الجثامين والقبور المفتوحة أو الرفات المكشوفة خارج المقابر الجماعية، مشدداً على أن التعامل مع المقابر الجماعية يحتاج إلى ولاية قضائية وجنائية، وإلى فِرق مختصة وتفويض قانوني، بالإضافة إلى وجود مختبرات متخصصة لضمان التعامل مع الرفات بشكل علمي ودقيق.
وحول تحديد هويات الضحايا وإبلاغ أسرهم، أشار “يازجي” إلى أن الموضوع معقد جداً، ويحتاج بالدرجة الأولى لوجود مختبرات تحليل جنائي تكون قادرة على معرفة هوية الضحايا، وهذا الأمر غير ممكن الآن في سوريا خلال هذه المرحلة، مؤكداً أن كل من يتحدث عن هوية الضحايا يحاول استغلال مشاعرهم، وأضاف “نرفض التعامل بهذه اللاأخلاقية مع الضحايا ومع ملف المقابر الجماعية”.
وتابع: “دور فرق الدفاع المدني يقتصر على الاستجابة الطارئة لنداءات الأهالي بوجود رفات مكشوفة غير مدفونة، لتقوم الفرق ضمن ضوابط الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية والجنائية، بتوثيق وجمع الرفات وفقاً للبروتوكولات الخاصة والتنسيق لاستكمال كافة الإجراءات الخاصة بحفظها بما يساعد على إمكانية التعرف عليها لاحقاً”.
بدورها، قالت مديرة التوثيق في الشبكة السورية لحقوق الإنسان “نور الخطيب” إنه جرى توثيق ما لا يقل عن 12 مقبرة جماعية في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة قوات نظام الأسد، ويُقدر عدد الضحايا المدفونين فيها بعشرات الآلاف، ومع ذلك، فإن الرقم الدقيق غير معروف حتى الآن، ويحتاج إلى جهود طويلة ودقيقة لتوثيقه بشكل كامل.
وأضافت “الخطيب” أنه لم تبدأ حتى الآن أي عملية لتحديد هويات الضحايا، ويُتوقع أن تستغرق وقتًا طويلاً؛ نظرًا لغياب آليات فعالة للتعامل مع المقابر الجماعية، مشيرةً إلى أن الجهود الحالية تقتصر على حماية مواقع المقابر الجماعية ومنع المساس بها، لضمان عدم ضياع الأدلة أو إتلافها.
وتابعت: “يتم العمل على توثيق مواقع المقابر بالتعاون مع منظمات حقوقية ودولية، مع اتخاذ إجراءات لتأمين المواقع ومنع الوصول العشوائي إليها لضمان الحفاظ على الأدلة، وفي المستقبل، يُفترض العمل مع الجهات الدولية المتخصصة لتطبيق إجراءات جنائية دقيقة تشمل جمع العينات وفقًا للمعايير الدولية، وتحليل الأدلة الجنائية مثل الملابس وبقايا الجثث وأي آثار مادية أخرى”.
ولا يزال الكشف عن المقابر الجماعية مستمرًا في مناطق مختلفة من سوريا من المناطق التي كان يسيطر عليها النظام، حيث تحتوي بعضها على عشرات الجثامين لمعتقلين قتلوا إعدامًا أو نتيجة التعذيب، من بين هذه المقابر، مقبرة القطيفة في محافظة ريف دمشق، قرب مركز قيادة الفرقة الثالثة في الجيش السوري.
وتشير التقارير إلى أن هذه المقبرة استخدمت لدفن أعداد كبيرة من المعتقلين الذين لقوا حتفهم تحت التعذيب، حيث نُقِلَت جثثهم إلى الموقع بواسطة شاحنات كبيرة، ثم دفنت في حفر عميقة.
من جهته، قال السفير الأمريكي السابق لقضايا جرائم الحرب “ستيفن راب”، إن الأدلة التي ظهرت من مواقع المقابر الجماعية في سوريا كشفت عن “آلة الموت” التي أدارتها الدولة في عهد بشار الأسد الذي أطاحت به المعارضة المسلحة.
وأضاف “راب ” بعد زيارة موقعين لمقابر جماعية في بلدتي القطيفة ونجها قرب دمشق لرويترز: “لدينا بالتأكيد أكثر من 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى الموت في هذه الآلة، ولا يوجد لدي شك كبير بشأن هذه الأرقام بالنظر إلى ما رأيناه في هذه المقابر الجماعية”.
ويعتبر توثيق المقابر الجماعية أمرًا بالغ الأهمية لضمان محاسبة الجناة وتقديم الأدلة اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم، كما يسهم في حماية حقوق وكرامة الضحايا وتكريم ذكراهم، بالإضافة إلى منح عائلاتهم الحق في معرفة مصير أحبائهم.
ومع ذلك تواجه التحقيقات في هذا الملف العديد من التحديات، أبرزها نقص الشهادات بسبب مرور الوقت، أو تدمير الأدلة، فضلاً عن خوف الشهود من الملاحقة والمساءلة أو تعرضهم للتهديد.