دعا الدفاع المدني السوري المهجرين الراغبين بالعودة إلى قراهم ومدنهم، في المناطق المحررة حديثا في الشمال الغربي، لأخذ الحيطة والحذر، والتريث، حرصا على سلامتهم.
وكانت قوات الأسد والميليشيات الإيرانية قد دمرت معظم منازل وممتلكات الأهالي، في المناطق التي سيطرت عليها، مما يؤخر عودة السكان، لكن الخوذ البيضاء تلفت النظر إلى مشكلة أكثر خطورة تتمثل في انتشار الألغام.
وعمدت تلك القوات إلى نشر الألغام بشكل كثيف ضمن الأراضي الزراعية والمساحات المفتوحة، عقب سيطرتها على ريفي حلب وإدلب، خاصة في المناطق الهامة والقريبة من خطوط التماس.
وقال محمد سامي المحمد، منسق برنامج إزالة مخلفات الحرب في الدفاع المدني السوري، في تصريح لحلب اليوم، إن الخوذ البيضاء أطلقت حملتها الخدمية والعملياتية تحت عنوان “أمل العائدين” نحو عودة آمنة للمهجرين، والتي تهدف إلى تسهيل عودتهم لمدنهم وقراهم بشكل آمن في المناطق التي شهدت اشتباكات أو هُجر سكانها قسريا منها.
وأضاف: “انطلاقا من العنوان الذي وضعه الدفاع المدني السوري نقول: عودتكم هي شغلنا الشاغل، ولكن سلامتكم وأمنكم يأتيان في المقام الأول”.
وبدأت الحملة في الأول من كانون الأول انطلاقا من ريفي حلب الغربي وريف إدلب الشرقي وفق ترتيب جغرافي واضح للمجتمعات التي سيتم العمل بها بشكل يضمن استمرار الدعم اللوجستي وأيضا الوصول الآمن للفرق العملياتية المختلفة.
ووفقا لمنسق برامج الإزالة، لا يوجد إطار زمني للحملة التي تتركز في محاور رئيسية هي فتح الطرق المغلقة بسبب القصف، وتسهيل حركة المدنيين والعمال الإنسانيين، وإزالة مخلفات الحرب، وتمكين السكان من إعادة تأهيل منازلهم، واستثمار أراضيهم الزراعية، ونقل جثامين القتلى وتوثيقها وتقديم خدمات الإسعاف والخدمات الصحية الأساسية.
ووفقا لتقديرات فريق “منسقو استجابة سوريا” يوجد في الشمال الغربي أكثر من 3 ملايين نازح، معظمهم من المناطق الشمالية التي اجتاحتها قوات الأسد عام 2019.
وفيما تستمر إدارة العمليات العسكرية في توسيع عملياتها جنوبا، حيث وصلت اليوم الثلاثاء إلى مشارف مدينة حماة، تواصل الخوذ البيضاء عملها الدؤوب في ريفي حلب وإدلب.
وأشار المحمد إلى وجود الكثير من الذخائر غير المنفجرة في كثير من المناطق، مضيفا أن فرق الإزالة استطاعت التعامل معها خلال هذه الحملة، حيث أن العملية قد تستمر لعدة أسابيع، فقد واجهتها بعض المشاكل المتعلقة بانتشار الكثير من الالغام المضادة للأفراد والمضادة للدروع في عدد من المناطق وخصوصا مدينة سراقب، وأيضا محيط مدينة معرة النعمان.
وأضاف أنه كان هناك شك كبير في انتشار عدد كبير من حقول الألغام في هاتين المدينتين وخاصة في الأطراف الشرقية، وحول النقاط التي اتخذتها قوات الأسد مقرات لها، وهو ما يعرقل بشكل كبير جدا العودة الآمنة لبعض المدنيين ممن تأثرت أماكن سكنهم أو منازلهم بسبب هذا النوع من التلوث الحاصل نتيجة لحقول الألغام.
أما بالنسبة لجهود الدفاع المدني السوري في مسح جميع الأراضي من الألغام وبقايا المتفجرات – يضيف المحمد – “نحن قادرون على التعامل مع أنواع محددة من الذخائر هي الصواريخ والمقذوفات والقنابل العنقودية، ولكن مع الأسف فإن فرقنا غير قادرة على التعامل مع الألغام الأرضية بنوعيها المضادة للافراد والمضادة للدروع في الوقت الحالي”.
وتحتاج عملية إزالة الألغام الأرضية بنوعيها، بصورة أولية، إلى “جهود كبيرة جدا من الجميع لتحديد أماكن انتشار هذه الألغام وكيفية التعامل معها وأيضا للتخلص منها، وهذا من الممكن أن يمتد إلى شهور”.
وكانت سراقب إحدى المدن الأكثر تضررا بالألغام الأرضية بنوعيها المضادة للافراد والمضادة للدروع وتتوزع كثافتها بصورة أولية في محيط المدينة بالكامل لأنها كانت نقطة مركزية لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية، حيث زرعت هذه الميليشيات الكثير من حقول الألغام في محيطها لمنع أي محاولات تقدم باتجاهها.
جهود متواصلة
أشار مراسل حلب اليوم إلى جهود كبيرة ومتواصلة تبذلها الخوذ البيضاء في إزالة الأنقاض وفتح الطرق، وتأمين عودة السكان.
لكن الأخيرة تحذر من مخلفات الحرب، حيث “تشكل خطراً كبيراً وطويل الأمد على حياة المدنيين في المناطق التي يعود إليها سكانها المهجرون منها، وخاصة أنها شهدت قصفاً واشتباكات أدت لانتشار هذه المخلفات الخطيرة بشكل واسع، لتشكل أحد أكبر العوائق أمام عودة المهجرين”.
وناشدت السكان بعدم العودة قبل انتهاء الفرق من العمل في إزالة مخلفات الحرب للحفاظ على سلامتهم، مؤكدة على أهمية اتباع القاعدة الذهبية”لاتقترب… لا تلمس… أخبر الدفاع المدني”.
وقال المحمد إنهم يواصلون جهودهم بعملية فتح الطرق وإزالة ما يمكن من الذخائر بالجهود والإمكانات المتاحة لديهم، مضيفا: “نحن اليوم نطمئن أهالي هذه المدن بأننا نستطيع التعامل مع كافة أنواع الذخائر غير المنفجرة ما عدا الألغام بالوقت الحالي، وأيضا نرجو من جميع سكان هذه المناطق تنظيم العودة لمنازلهم بشكل يضمن سلامتهم وعدم وقوع أي حوادث ناتجة عن الذخائر غير المنفجرة والألغام أيضا، وأن لا تكون العودة عشوائية بشكل يؤدي إلى حصول كثير من الحوادث”.
وكان عدد كبير من الأهالي ممن بقيت منازلهم قابلة للسكن في المناطق الأقل تضررا قد عادوا لمنازلهم، فيما تبقى الغالبية العظمى في عداد النازحين حتى اليوم.