بعد أشهر من التأكيد التركي على الرغبة الكاملة في التطبيع مع سلطة الأسد، وحل الملف السوري بشكل جذري بناء على ذلك، عادت أنقرة لتؤكد أن استعادة العلاقات ما تزال بعيدة، وأن الطرف المقابل ليس مستعدا بعد.
ونقلت صحيفة حرييت التركية المحلية، عن وزير الخارجية هاكان فيدان، في لقاء خاص لها معه، نشرته أمس الأحد، تصريحات بدا فيها متشائما حيال إمكانية حل الملف السوري عبر التفاهم مع الأسد.
أتى ذلك بعد أيام فقط من تصريح أردوغان من على متن طائرة عائدة من مدينة قازان الروسية، عقب مشاركته في قمة بريكس؛ قال فيه إنه سيفعل “ما تقتضيه الضرورة” في سوريا، من أجل “القضاء على الإرهاب من منبعه” فيها، مع مواصلة العمل شمال العراق.
كما أكد أنه ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مسألة لقاء الأسد، معتبرا أنها ستكون مفيدة في إطار محاربة “التنظيمات الإرهابية” المرتبطة بحزب العمال المحظور.
وقال الباحث السياسي ومدير وحدة الدراسات الاجتماعية في جامعة شام، محمد البقاعي، لحلب اليوم، إن ما يجري عموما يوحي بأن كل طرف يحاول الضغط على الآخر، ولا يعني ذلك انتهاء ملف التطبيع.
وأضاف أن تركيا تعتبر مسألة مناطق شمال غرب سوريا التي تطالب سلطة الأسد بسحب القوات منها، ليست مجرد ملف يمكن حسمه بالتفاوض الثنائي، وإنما مرتبطة بمسار أكبر، هو مسار التسوية وفق القرارات الأممية التي تقول بوحدة وسيادة الدولة السورية.
وتصرّ السلطة على مطلب سحب القوات التركية من شمال غرب سوريا، فيما تؤكد أنقرة استعدادها لذلك، ولكن مع تأجيله، حتى تحقيق حل شامل للقضايا الرئيسية العالقة.
ويعني هذا الأمر، وفقا للبقاعي، أن موقف أنقرة واضح فيما يتعلق بملف التسوية؛ فهي تراها تحت مظلة القرارات الأممية بما في ذلك القرار 2254، وأنه لابد من أن نصل إلى حكومة وحدة وطنية، كما يعني ذلك أيضا أن يكون هناك دستور جديد وانتخابات وما إلى ذلك، وبالتالي يجب أن يكون مصير المنطقة مرتبط بتحقيق المسار الأممي، بحسب الباحث السياسي السوري.
وأدلى فيدان أمس بتصريحات مهمة في العديد من القضايا، من التطبيع إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن قوات قسد، ومن الهجمات الإسرائيلية على لبنان إلى الحرب الروسية – الأوكرانية.
وحول رؤيته لكيفية العملية الواجب إجراؤها مع السلطة، قال إن “البنية المجزأة في سوريا، والتي تشكلت من إنشاء المنظمة الإرهابية ومجموعات مختلفة، والزيادة الأخيرة في الهجمات الإسرائيلية على سوريا، تثير سؤال ‘كيف يمكن التطبيع بين تركيا وسوريا؟’ “.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اكد لصحيفة حرييت في وقت سابق أنهم “سيشاركون بنشاط في الاتصالات”، فقد تحدث فيدان حول “أسلوب خاص بتركيا في ضمان الاستقرار في سوريا”.
وأشار إلى أن “بيئة الحرب المجمدة نشأت بين السلطة والمعارضة نتيجة اتفاقيات عملية أستانا”، موضحا أن “وجهة نظر أنقرة وأسلوبها كالتالي: ’يجب على النظام والمعارضة إنشاء إطار سياسي‘ “.
وتريد تركيا – بحسب الوزير – أن “ترى السلطة والمعارضة ينشئان إطارًا سياسيًا يمكنهما الاتفاق عليه في بيئة خالية من الصراع”، حيث “من المهم أن توفر بيئة آمنة ومستقرة لشعبها، إلى جانب المعارضة”.
وفي تعليقه على ذلك يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوري أحمد مظهر سعدو في إفادته لموقع حلب اليوم، أن “هناك عثرات لكن لم يتوقف التطبيع ولن يتوقف في المنظور القريب لأن هناك مصالح دولية روسية – تركية ومصالح أيضا لسلطة الأسد وإيران في هذا السياق”.
وأكد أن العملية ما زالت قائمة رغم التعثر، لأن “هناك دورا إيرانيا واضحا في إعاقتها ولكن روسيا ما زالت مصرة على ذلك، وتصريحاتها أكدت أن التطبيع قائم، إلا أن هناك صعوبة في تحقيق الشروط الموضوعة من قبل تركيا”.
والأسد – يضيف الكاتب السوري – “غير قادر على أن يعيد اللاجئين ولا أن يفتح خط الترانزيت ولا يؤمن شمال شرق البلاد لحفظ الأمن القومي التركي، وإزاحة قسد وpkk من المنطقة”، كما أن “إيران تلعب دورا سلبيا في هذا الاتجاه والأسد غير قادر على تلبية الشروط”.
وقال فيدان إن “الاتصالات والمحادثات منفصلة”، مضيفا أنه يجب أن يكون هناك تواصل مع المعارضة السورية في “حوار حقيقي”، مؤكدا أن “رغبتنا هي أن يتوصل الأسد إلى اتفاق مع معارضيه”.
واستدرك بالقول: “لكن، على حد علمنا، هو وشركاؤه غير مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع المعارضة وإجراء التطبيع.. حتى الآن لا يبدو أن الأسد وشركاءه مستعدون لحل بعض المشاكل”.
وبحسب الوزير التركي، فإن أنقرة لا تريد أن يستغل pkk “هذه البيئة الفوضوية، فقد يؤدي ذلك إلى جر سوريا إلى مزيد من عدم الاستقرار”، ومن هذا المنظور فقد “أصبحت المصالحة بين النظام والمعارضة أكثر أهمية”.
وقد باتت “القضية الأساسية الحساسة بالنسبة لأنقرة هي تطهير المنطقة في شمال شرق سوريا من منظمة PKK/YPG الإرهابية، التي تحتل ثلث الأراضي السورية بدعم أمريكي“.
وأشار فيدان إلى الاقتراب النسبي في وجهات النظر مع واشنطن بشأن الاستمرار في دعم قسد، وإن كانت ما تزال مصرة على ذلك.
وكانت سلطة الأسد قد جددت مطالبتها لتركيا بالانسحاب من الشمال السوري، لكن دون اعتباره شرطا لبدء المحادثات، وذلك على لسان بثينة شعبان المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، حيث قالت إن مسار التقارب لن ينطلق قبل إقرارها بنيتها الانسحاب.
وقال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، لوكالة رويترز، الشهر الماضي، إن الاجتماع مع مسؤولي سلطة الأسد ربما يكون قريبا، ولكن “إذا توفرت الظروف المناسبة”.
وفي إجابته عن سؤال حول اشتراط سحب القوات التركية من شمال غرب سوريا، قال غولر إنه لا يمكن لقوات بلاده الانسحاب من سوريا إلا بعد تلبية عدة شروط تتمثل في قبول الدستور الجديد وإجراء الانتخابات وتأمين الحدود، مشيرا إلى أن “الخطوات المشتركة المتخذة مع العراق في مكافحة الإرهاب تمثل نقطة تحول”.
وأعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نهاية آب الماضي، التحضير لاجتماع جديد بين الطرفين، مؤكدًا أنه سيعقد في “وقت قريب جدًا”، لكن ذلك لم يحدث حتى اليوم.