انتشرت خلال الأيام الماضية أعراض مرض التهاب الكبد A في ريف دير الزور الشرقي، خاصة في مدينة البصيرة الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، مما أثار حالة من الذعر بين الأهالي وسط تدهور مستمر في الوضع الصحي منذ سنوات.
وأفاد بها مراسل حلب اليوم في ريف دير الزور الشرقي، نقلا عن مصادر طبية فإن تلوث مياه الشرب، بالإضافة إلى انتشار الغازات الناتجة عن الحراقات النفطية، هما السببان الرئيسيان لانتشار المرض.
سليمان. ن، أحد المصابين بالمرض، قال لـ”حلب اليوم”: “شعرت في البداية بأعراض خفيفة مثل التعب والإرهاق، لكنني لم أكن أعلم أنها مرتبطة بالتهاب الكبد. وبعد أن ساءت حالتي، أجريت التحاليل الطبية التي أكدت إصابتي بالتهاب الكبد A، ففي البداية كانت التحاليل سليمة، لكن حالتي تدهورت سريعاً”.
وأضاف: “في المستشفى العام في مدينة البصيرة، لم أتمكن من الحصول على العلاج المناسب؛ بسبب عدم توفر الأدوية، مما دفع عائلتي لنقلي إلى الحسكة. هناك، أخبرني الأطباء أن تلوث مياه الشرب في منطقتي هو السبب الرئيسي في إصابتي”.
وأكد سليمان أن الوضع الصحي في ريف دير الزور متدهور بشكل عام، حيث لا تتوفر معظم الأدوية الأساسية في المستشفيات العامة، مما يجبر المرضى على السفر إلى مناطق أخرى للعلاج.
كما تحدثت أم عبد الله (49 عاماً)، وهي من سكان مدينة البصيرة، عن معاناتها مع المرض قائلة: “ابنتي البالغة من العمر 8 سنوات أصيبت بالتهاب الكبد. احتجنا إلى إجراء التحاليل في مركز صحي في البصيرة، ولكن نتيجة غياب الأدوية والعلاج اللازم، لجأنا إلى الأطباء الشعبيين، لكن حالتها لم تتحسن. نحن نعيش في حالة من الخوف بسبب تلوث المياه، ولا يوجد لدينا أي ضمانة لتجنب هذه الأمراض”.
وباء منتشر وصمت رسمي
لم تصدر “الإدارة الذاتية” أو المنظمات العاملة في المنطقة أي إحصائيات رسمية عن عدد المصابين.
لكن مصدراً طبياً، رفض الكشف عن اسمه، في مستشفى “البصيرة العام” أكد لـ”حلب اليوم” أن حالات التهاب الكبد المعروفة محلياً بـ”اليرقان” انتشرت بكثافة خلال الأشهر الأخيرة، حيث تجاوز عدد الحالات 100 إصابة في ريف دير الزور الشرقي.
وأوضح المصدر أن الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، إضافة إلى التعرض المفرط لأشعة الشمس، أصبحت شائعة بشكل متزايد في المنطقة.
وبحسب المصدر، تختلف أعراض التهاب الكبد A من شخص لآخر، فقد تكون خفيفة لدى بعض المرضى، لكنها قد تتطور وتصبح خطيرة أو حتى مميتة إذا لم تُعَالَج في الوقت المناسب، خصوصاً في ظل غياب الرعاية الصحية الكافية والأدوية الأساسية.
وأشار إلى أن المستشفيات في ريف دير الزور الشرقي تعاني نقصاً حادا في الأدوية والمستلزمات الطبية، مما أدى إلى لجوء العديد من المرضى إلى المستشفيات العامة أو الخاصة في المدن المجاورة مثل الحسكة.
وأوضح أن ارتفاع أسعار الأدوية في السوق السوداء دفع الكثير من السكان إلى التوجه للمستشفيات العامة، حيث تصل تكلفة العلاج إلى مليون ليرة سورية في المستشفيات الخاصة، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الأهالي.
بدوره، قال أحد الأطباء العاملين في مستشفى “البصيرة العام” لـ”حلب اليوم”: “نحن بحاجة إلى دعم كبير لتوفير الأدوية اللازمة لعلاج مثل هذه الأمراض، وإلا فإن الوضع سيزداد سوءاً، خاصة مع ارتفاع أسعار الأدوية الذي زاد معاناة السكان، إذ لا يستطيع الكثيرون شراء الأدوية على نفقتهم الخاصة”.
وأضاف المصدر الطبي أن تلوث مياه الشرب في ريف دير الزور الشرقي لا يقتصر على التسبب في التهاب الكبد A فقط، بل يمكن أن يؤدي إلى انتشار أمراض أخرى مثل الإسهال المزمن والتسمم الغذائي.
وأكد أن معالجة تلوث المياه يجب أن تكون أولوية قصوى للحد من تفاقم الأزمة الصحية.
نداءات من الأهالي
وفي السياق ذاته، ناشدت العديد من الأسر في ريف دير الزور الشرقي “الإدارة الذاتية” والمنظمات الإنسانية للتدخل الفوري لمعالجة تلوث المياه وتوفير الأدوية الضرورية في المستشفيات المحلية.
يقول المسن علي. ن (62 عاماً) وهو أحد سكان مدينة البصيرة لـ”حلب اليوم”: “لا يمكننا الاستمرار على هذا الحال. نحتاج إلى حلول عاجلة لتأمين مياه صالحة للشرب وضمان حصولنا على العلاج اللازم. الوضع هنا لا يطاق، والأمراض تنتشر بسرعة”.
ويعاني القطاع الطبي في ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة “الإدارة الذاتية” من تدهور كبير نتيجة نقص المعدات والكوادر الطبية، وتظهر بين الحين والآخر حالات إصابة بأمراض ناتجة عن التلوث.
كما أن العديد من التخصصات الطبية الأساسية مفقودة في تلك المناطق، مثل طب الأعصاب والجراحة القلبية، مما يزيد سوء الوضع الصحي. وبالإضافة إلى ذلك، يواجه الأطباء تهديدات مستمرة تدفعهم إلى مغادرة المنطقة بحثاً عن أماكن أكثر أماناً لاستمرار عملهم الطبي، وفقاً لمراسلنا.