عادت الغارات الروسية على إدلب ومحيطها، أمس الاثنين، بعد أشهر من توقفها، بالتزامن مع حشودات عسكرية من قبل قوات الأسد والميليشيات الإيرانية من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى.
وأغارت الطائرات الحربية الروسية على أطراف مدينة إدلب الغربية، وريفيها الغربي والجنوبي، وتلال الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي، حيث حلق سرب من الطائرات الحربية لعدة ساعات قبل الظهر، وسرب آخر استهدف محيط جسر الشغور ليلا، وبلغ إجمالي عدد الغارات نحو 20، وفقا لمراسلنا.
وتسود المنطقة حالة من الترقب والجدل بين السكان المحليين، لعدة أسباب، أبرزها صمت الفصائل العسكرية عما يجري، مع تسريبات من جهات إعلامية محسوبة على تلك الفصائل حول انطلاق معركة “تحرير حلب”.
وبعد نزوح آلاف السكان من القرى والبلدات القريبة من خطوط التماس، على امتداد الشمال الغربي، أعلنت غرفة عمليات الفتح المبين، أنها “جاهزة لأي تطور عسكري واستحقاق ثوري للدفاع عن المحرر وحمايته وصون كرامته”.
وبدا البيان الذي جاء في معرض التنديد بقصف المدنيين؛ خاليا من أي دلالة واضحة على نية الهجوم، إلا أن المتحدث الرسمي باسم فصيل “جيش العزة” المنضوي ضمن غرفة العمليات العقيد مصطفى بكور أكد أن “النية للعمل العسكري موجودة، ولم تتغير منذ توقف القتال عام 2020”.
وأضاف في حديثه لموقع الجزيرة نت، أن مرحلة الاستعداد والتحضير مستمرة، وأنه تم إنجاز نسبة كبيرة منها على امتداد خطوط الجبهات.
وقال المحلل الإستراتيجي والعسكري العقيد إسماعيل أيوب، لموقع حلب اليوم، إنه يخشى من عدم وجود مقومات كافية لتلك المعركة معتبرا أن عواقبها قد تكون وخيمة.
وأبدى العديد من المهجرين حماستهم لتلك المعركة، أملا منهم في العودة لقراهم ومدنهم التي هُجروا منها عقب اجتياح منطقة واسعة شمال حماة وشرقي إدلب وصولا إلى غربي حلب، نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020.
لكن المنتقدين لقرار المعركة المفترض، يخشون ردة فعل عنيفة من الطيران الحربي الروسي، أو الدخول في استنزاف لما تبقى من قوة لدى الفصائل وشن هجوم معاكس من قبل قوات الأسد والميليشيات الإيرانية.
وحذر العقيد أيوب، وهو من مؤيدي هذا الرأي، من احتمال وجود “مخطط من قبل أعداء الشعب السوري” خلف هذه المعركة، لأنه “في حال غياب الدعم الغربي للفصائل وتأمينها من الطيران الروسي، فإن الاقتحام والهجوم بدون دعم جوي ولا لوجيستي سيكون عبارة عن فتح حرب عبثية”.
ورغم كل التحليلات والأقاويل المتداولة إلا أنه لا مصدر معتمدا حتى الآن، أكد أو نفى وجود مخطط فعلي لتلك المعركة.
وبدا بكور -في حديث للجزيرة نت- حريصا جدا في اختيار عباراته، حيث قال في إجابته على سؤال بشأن إمكانية وصول فصائل المعارضة لمدينة حلب، إنها “تضع عينها على المدينة ومختلف المناطق السورية، باعتبار أن المعركة معركة تحرير من احتلال أجنبي، وبما أن حلب تتميز بموقع جغرافي واقتصادي مهم، وتعتبر العاصمة الثانية لسوريا، فمن الطبيعي أن تكون هدفا للفصائل”.
لكنه أشار إلى أن “السيناريو المتوقع هو عملية هجومية شاملة ومتزامنة ومنظمة بدقة على مختلف المحاور، تؤدي إلى هزيمة كبيرة للمليشيات وبقايا قوات الأسد، وتحرير ما أمكن من الأراضي، والتمسك بها لضمان عودة آمنة وكريمة للمهجرين”.
وتداولت بعض الأوساط في الشمال الغربي، أنباء عن “ضمانات” غربية بعدم دخول الطيران الروسي على خط المعركة، لكن غارات أمس كانت بمثابة رسالة واضحة مفادها أن القصف العنيف سيعود وأن الطيران الروسي سيتدخل، وهو ما يخشى أيوب عواقبه على المدنيين.
وأضاف أنه يتخوف من التراشق الناري بين قوات الأسد وبين المناطق الخارجة عن سيطرتها، بينما تمتلك هي وروسيا سلاح طيران وبطبيعة الحال فإن هذا السلاح غير مخصص لإسرائيل بل مخصص فقط للشعب السوري، وتملك مدفعية وراجمات وميليشيات، وبالتالي “يخشى من تهجير أكبر”.
وأعرب العقيد عن خوفه من أن تكون تلك المعركة في حال فُتحت “محرقة لما تبقى من الشعب السوري”، متسائلا: “ماذا يعني تحرير حلب؟ ما هي الخطط؟ من سيقود هذه المعارك؟ هل سيقودها الجولاني وتتبعه الفصائل التابعة لتركيا؟ كيف ستدعم تركيا عملا عسكريا ينطلق من المناطق الخاضعة لسيطرتها بينما الفصائل هناك لم تتحرك منذ عام 2018؟”.
أما إذا كانت هناك خطة شاملة – يضيف أيوب – ودعم وقيادة عسكرية ومضادات جوية، وتحييد للطيران الروسي فالأمر ممكن، وإذا كانت الأمور “عبارة عن لعب أدوار حتى تتفاوض الدول على ملفات الشمال الغربي فستكون المعركة عبارة عن مقتلة ومحرقة للشعب السوري فقط”.
وشدد على وجوب وجود “تحضير مناسب للمعركة، وليس فقط استنزاف قوات الأسد من ثم العودة إلى المربع الأول، والكر والفر فهذا سيكون مقتلة لهؤلاء الشبان المنضوين ضمن الفصائل وزيادة في التدمير، أما إذا كان هناك دعم دولي، أو على الأقل دعم تركي بالطيران؛ أي أن تمنع القوات الجوية التركية طيران الأسد والطيران الروسي من قصف الناس، فلا بأس في أن تفتح معركة لكن على ألا تكون الأمور كما هي عليه الآن”.
ورأى أن “الظروف الدولية خاصة الآن في غزة وفي جنوب لبنان توحي بأن هناك توجها نحو ما يسمى “الفوضى الخلاقة” وإذا فتحت الجبهات اليوم في شمال سوريا فسيكون ذلك استكمالا للفوضى التي ربما تمتد إلى العراق، أي تشتعل المنطقة من جديد بلا طائل وتذهب هذه الدماء بدون فائدة”.
ويطالب العديد من السكان في الشمال الغربي بفتح المعركة لإعادة المهجرين، فيما يتخوف كثيرون أيضا من العواقب في حال كان الإعداد للمعركة غير مدروس.
يقول أبو محمود من سكان مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، إن فترة التراجع العسكري للفصائل والتي امتدت منذ عام 2016 وحتى عام 2020، شهدت العديد من الهجمات الفوضوية التي كان يتلقى الناس أخبارها بحماس، لكن سرعان ما تفشل تلك العمليات ويعقبها استنزاف لقوى الفصائل ثم هجوم وتوسع لقوات الأسد.
لكن الشاب “حسام. ع” من ريف معرة النعمان، يقول إن على الفصائل استغلال الظرف الحالي، فعقب ضعف حزب الله، والضغوط التي تواجه قوات الأسد، بات من المناسب فتح معركة بعد سنوات من المفترض أن فصائل “الفتح المبين” كانت تقوم خلالها بالإعداد.
وذكر مصدر عسكري لحلب اليوم، أن الجبهة الممتدة من ريف إدلب الجنوبي حتى الشرقي وريف حلب الغربي؛ لم تشهد أي انسحاب للميليشيات الإيرانية في المنطقة، بل أنشأت غرف عمليات مشتركة مع الروس، كما أن قوات الأسد لم تخفف وجودها على الجبهة، بل أرسلت تعزيزات إضافية.
وتبقى الساحة السورية مرشحة لتطورات دراماتيكية كبيرة، مع استمرار الضربات الإسرائيلية على ميليشيا حزب الله في لبنان، وامتدادها لسوريا، واحتمال شن هجوم بري واسع فيها.