تشهد الأحياء الشرقية من مدينة حلب، أزمة تلوث في مياه الشرب، منذ مطلع الشهر الجاري “تشرين الأول”، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، مما يضطرهم إلى الاعتماد على مياه الآبار غير الصحية.
وفقاً لمراسلة حلب اليوم في المدينة، فإن أحياء الميسر، القاطرجي، الجزماتي، وكرم التراب تشهد تلوثاً في مياه الشرب التي مصدرها “شركة المياه” منذ ما يزيد عن ثلاثة أسابيع، مما أجبر السكان على شراء صهاريج المياه من الآبار.
وذكرت المراسلة أن مياه الشرب تختلط بمياه الصرف الصحي في بعض المناطق، وخاصة عند نهاية جسر الشعار، مما يهدد الصحة العامة لنحو 700 ألف نسمة في شرقي حلب.
كما أوضحت أن تكلفة تعبئة خزان مياه سعة 1600 لتر، وهو ما يكفي عائلة مكونة من 5 أفراد لمدة أسبوع، تصل إلى حوالي 40 ألف ليرة سورية، مما يزيد العبء على العائلات ذات الدخل المحدود.
نتيجة لذلك، يضطر العديد من السكان إلى تقليص احتياجاتهم الأساسية لتغطية تكاليف المياه، فيما يعتمد البعض الآخر على المياه الملوثة لتجنب التكاليف المرتفعة.
شهادات من السكان
نهى.أ 42 عاماً، من سكان حي الميسر، تحدثت لـحلب اليوم عن معاناتها اليومية قائلة: “المياه التي تصلنا عبر الشبكة غير صالحة للشرب، لونها أصفر وطعمها غير طبيعي، استخدمها فقط للتنظيف، لكن لا يمكنني المجازفة بشربها”.
وأضافت: “أنا خائفة على صحة أطفالي، لأننا مضطرون لشربها لعدم استطاعتنا على تأمين مياه نظيفة من الآبار عبر الصهاريج الجوالة، فتعبئة خزان مياه أمر مكلف جداً بالنسبة لي”.
وفي حي القاطرجي، اشتكى عضو في لجنة الإشراف على خدمات الحي، من تدهور البنية التحتية لشبكة المياه، إذ يقول لحلب اليوم: “الوضع أصبح كارثياً، لدينا انكسار في الشبكة الرئيسية عند جسر الشعار، مما أدى إلى اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي”.
وأوضح أن هذا الاختلاط يؤثر بشكل مباشر على سكان الأحياء الشرقية، الذين باتوا يعانون من أمراض معوية بسبب التلوث.
وأضاف: “نحن نرفع الشكاوى للجهات المعنية، ولكن لا توجد استجابة فعلية. الناس هنا يعيشون في قلق دائم”.
المخاوف الصحية تتفاقم
من جانبه، يروي محمود.ع، 48 عاماً، بائع متجول في حي كرم التراب، معاناته المالية الناتجة عن أزمة المياه، إذ يقول لحلب اليوم: “كل أسبوع اضطر لدفع مبلغ كبير لتعبئة خزان المياه، وهذا يؤثر بشكل كبير على قدرتي على تأمين احتياجات أسرتي”.
ويضيف: “أحياناً أفضّل استخدام المياه الملوثة (مياه الشركة) لتوفير المال، رغم معرفتي بخطورة ذلك على صحتي وصحة عائلتي. لكن ما العمل؟ الأسعار ترتفع كل يوم، وليس لدي دخل كافٍ”.
بدوره، أوضح د. أحمد.ص، طبيب مختص بالأمراض الباطنية لـحلب اليوم التداعيات الصحية الخطيرة جراء استمرار استخدام المياه الملوثة، إذ يقول الدكتور ص: “نشهد زيادة واضحة في حالات الأمراض المعوية مثل الإسهال الحاد والتسمم الغذائي، وخاصة بين الأطفال وكبار السن”.
وأضاف: “الأمراض تنتقل بسهولة عبر المياه الملوثة، وهناك تقارير عن حالات من التهاب الكبد الفيروسي المرتبطة باستخدام هذه المياه”.
كما أشار إلى تزايد أعداد المصابين بشكل لافت منذ مطلع الأسبوع الماضي، مما أدى إلى اكتظاظ الأجنحة ونقص في التجهيزات الطبية اللازمة.
يقول الدكتور ص: “نحن نحاول بقدر الإمكان توفير العلاج المناسب، لكن تظل الوقاية هي الحل الأهم، فمعالجة السبب – وهو تلوث المياه – يمكن أن يحد من انتشار هذه الأمراض”.
وأعرب الدكتور ص عن قلقه من استمرار هذه الأزمة دون تدخل سريع، قائلاً: “إذا استمرت هذه الأزمة، سنشهد مزيداً من حالات التسمم والتهابات الكبد، والتي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة على المدى الطويل، خاصة في ظل ضعف الرعاية الصحية”.
يشار إلى أن أزمة تلوث مياه الشرب في الأحياء الشرقية بحلب تعتبر واحدة من أكبر التحديات التي تواجه سكانها، وفقا لمراسلتنا، في ظل غياب حلول فعلية من قبل الجهات المسؤولة، مما يجعلهم في مواجهة يومية مع الخطر والحرمان.